18 أكتوبر 2013

التوبة - الشيخ الروحاني

التوبةُ تجعل الزناةَ بتوليين، كما تنظف الوعاء الذي علاه الصدأُ. 
إنها من الماخورِ إلى البريةِ تجتذبُ لعملِ الملائكةِ، والمضيئون الذين حقَّروها تركتهم، فنزلوا إلى الجحيم السفلي. 
هي تَدخلُ إلى مخادع الزانياتِ، وتجتذب الزناة، وتلدهم من حضنها بتوليين للمسيحِ. 
تردُّ الذين انكروا إلى الرسوليةِ (بطرس)، والرسل الذين نزعوها لبسوا الظلمةَ (يهوذا الخائن). 
إنها لِباسُ العالي، وللابسيه تُلبس مجدَ يسوعِ رداءًا. 
هي تجتذبُ من الطرقاتِ إلى الملكوتِ، ومن بين السياجات تُدخل إلى العرسِ. 
إنها تصونُ من السوءِ المضيئين، وتجعلُ العميان مبصرين. 
هي تقلع الشجرةَ التي أثمارُها سمُّ الموتِ، وتُغرس شجرةُ الحياةِ بفردوسنا. 
هي حاملةٌ براحتِها طيبات النعمةِ، والذين نتنوا بالنجاسةِ إن قبلوها تطيب نفوسهم. 
إنها قائمةٌ ببابِ العريس السماوي، وكلُّ من عبر بها استقبلته ووضعت على رأسه إكليلَ العرسِ، وكلُّ من انحنى قدامها، جعلته متكئاً في الحَجلةِ.
بيدها وضعت مفاتيحَ ملكوت السماواتِ، فكلُّ من أحبها وعشقها جعلته أميناً.

***
هي هي أمُّ النورِ، وكلُّ من وُلد منها، أنبتت له أجنحةً من نارٍ، ومع الروحانيين يطيرُ إلى العلا،
وكلُّ من نَتَفَ الصيادون ريشَه، واستتر تحت أحضانها أياماً قلائل، أخذ منها ريشاً طياراً نارياً، أفضل وأخف من الأول.
هي هي ملحمةُ الطبِ السماوي، ومن وضعها على وجههِ برئ لوقته،
لا تقطع بموسى ولا تُصعِّب الأوجاعَ بالكي.
بالرحمةِ مخلوطٌ أدويتها، وباللين تجبرُ الانكسارَ.
سمُّ الموتِ واللهو والشغب، هذه بيديْ الشيطان، أما التوبةُ فهي ترياقُ الحياةِ بيد اللهِ.
وكلُّ من سبق وشرب من كأسِ القاتلِ، يتقدم ويشرب من كأسِ المحيي للكلِّ، فيعيش بلا نهايةِ.
إنها تزورُ الأمواتَ، وكلُّ من بلعَه الموتُ، ودنا من أحضانِها، شقَّت الموتَ وأخرجته من جوفِه. 
ترى العُمي كلَّ يومٍ يبكون على بابها، فتجتذبهم وتريهم نورَ الفرح.
ترى القتلى الذين قتلهم الشيطانُ، وتستدعيهم لتقيمهم قيامةً متقدمةً.
هي خزانةُ بني مخلصنا، وفيها يحفظُ جميعَ غنى أعمالهم.
هي بحرٌ لغسلِ جميعِ النجسين، وكورٌ، غليانُه يَجلي كلَّ من علاه الصدأ.
هي نارٌ محرقةٌ للزوان، ومياهٌ تربي الزروعَ المقدسةَ.
هي فردوسٌ يطيب الخواص، وتخرِّب وتهدم جميعَ العُصاة.
إنها أرضٌ تربي بني النور، والمطهرةُ بيدِها الذي يتنجس.
هي مولِّدةٌ لأجنةِ بني العلي، ومربيةٌ لتابعي المسيح.
إنها حصنٌ تحفظُ كلَّ ما بداخله، وجبارٌ يردُّ كلَّ ما سُبي.
هي هيكلٌ للأممِ الطاهرةِ، ومنها يأخذون قدساً لقدسهم.
هي بيتٌ وملجأٌ للأشقياءِ، فتجعلهم وارثين للملكوتِ.
هي خزانةٌ لجميعِ الكنوزِ، فكلُّ من قرع بابها، أخذ منها حاجتَه.
هي والدةٌ لم يجف حضنها، وكلُّ من كان عاقراً وقرب منها، أخذ له منها أولاداً محبوبين.
هي بوابةٌ قائمةٌ ببابِ الخالق، وكلُّ من وجب عليه الحكمُ وتقرَّب سائلاً إياها، دخلت وحلَّته.
بيدها موضوع رشاش الماء، وبلوغ إدرار المطر، فمن دخل والتجأ بها، فتحت ورَوَتْهُ.
إنها تقوم ببابِ الله، وكلُّ الخيرات التي تخرج من عنده، تجتذبها لخواصها.
هي شفيعةُ المسبيين، فإذا تقدموا وسألوها تقوم لحمايتهم وتعتذر عنهم.
«فمن ذا الذي لا يحبك أيتها التوبة، يا حاملة جميع التطويبات، إلا الشيطان، لأنك غنمت غناه، وأضعت قناياه، وجعلتِهِ فقيراً معذباً من كسبهِ، وفارغاً من الإرثِ الذي سباه بغير حقٍ. ذاك هو مبغضُك بالحقِ، لأنك دائماً تضادينه، فما من إنسانٍ وقع بين يديه، ولحقتِ به، وصار فريسةً لغذائه؛
وما من إنسانٍ دعاكِ وهو بين أسنانه، إلا وتكسرين أسنانه، وتخلصيه.
كما أنه ما من أحدٍ بلعه، فصرخ نحوك، إلا وشققتِ بطنه وأخرجتِهِ.
وما من شخصٍ ربطه، إلا وعاجلاً قطعتِ أغلالَه وحللتِهِ.
وما من إنسانٍ صاده وأنت بعيدة، ودعاك، إلا وبسرعةٍ لحقتِ به وخلصتِهِ.
من أجل هذا، هو يبغضُكِ، لأنك بالأكثر أبغضتِهِ.
يبغضُكِ لأنك كلَّ حينٍ تقفين ضده.
يبغضُكِ لأنه مبغضٌ لمعطيكِ، وأنتِ أيضاً ضده كما أن صاحبَك ضده كذلك».

«ليس مَن تمسَّك برجائِك، ونزل إلى الجحيمِ، ولا مَن صعد إلى السماءِ بدونِك.
من يرى اللهَ بغيرِك؟
مَن تمسَّك برجائك ووقع في يدِ الشيطانِ؟
ومَن تطهَّر ولم تكوني أنت التي غسلتِهِ؟ مَن تقدم لمطهرتك، ووُجدَ فهي نجاسةٌ؟
مَن الذي سقى زرعَه من مطرِك، ولم يحصد منه أثمارَ الفرحِ؟
مَن ذا الذي تقدَّم لطبك، ولم يكن بعيداً من كلِّ العاهات؟
ومن صبغَ كلَّ ساعةٍ وجهَه بقطراتك، ولم يبصر اللهَ في قلبهِ؟
مَن ذا الذي عدم تذوق مشروبك ولم يبصر قلبُه ينبوعَ الظلامِ؟
من نال طلباته ولم تكوني أنتِ التي رفعتِ من شأنه؟
مَن اتخذك شفيعةً ولم تفتحي أمامَه أبوابَ خزائنِ الله؟
ليس مَن أخذك معه في القتالِ، إلا وأسلمت أعداءَه تحت حربتِه.
ليس من لبسك مقابل مضاديه، إلا وانهزم قدامه مبغضوه».

«أنتِ خلصتِ داودَ من الخطيةِ، وأنتِ التي وقفتِ في وجهِ أخآب الكافر.
صعد الحكمُ على أهلِ نينوى بالهلاكِ، ولكنكِ تجبرتِ وقمتِ وخلصتِهم.
مباركةٌ أنت يا أمُّ الغفرانِ، يا من أعطانا إياك الآبُ المملوءُ رحمةً،
لا يغضبك إذا طلبت إليه، لأنه أعطاك أن تكوني شفيعةً للخطاةِ،
لا يغلق بابه إن سألتِهِ، سلَّم لكِ مفاتيح الملكوت».

«لقد اقترب الملكوت، فتوبوا فها هو الخاتم الذي يأخذه معه الوارثون للملكوتِ،
توبوا فقد قَرُبَ الملكوت.
الجيلُ القديم الذي لم يشرب مشروبك خنقه سَخطُ الطوفانِ،
سادوم التي لم تُرِد أن تَقبلكِ، أحرقتها النارُ السماوية.
فرعون الذي طردك من عنده، تعذَّب في الأمواجِ الخانقةِ».

«إنها تردُّ الأتعابَ التي ضيعها الشيطانُ، وتعطي العطايا السماوية.
هي التي تجدد البتوليةَ التي اتسخت، وتحفظ بلا عيبٍ تلك التي لم تفسد بعد.
المسيحُ جاء وخلَّصنا، وبصوتِه نادانا قائلاً: توبوا فقد اقتربَ الملكوت.
له المجد إلى الأبد آمين».