القصة الثانية: الاسد والساحرة ودوﻻب الملابس
تاليف: سي اي لويس
تبدا القصة بايداع اربعة اطفال عند احد اﻻشخاص في الريف اﻻنجليزي بسبب مخاطر البقاء في المدينة تحت رحمة القصف. تقلّب لوسي - بطلة الجزء الثاني في قصة عالم نارنيا - في دولاب الملابس فاذا بعالم اخر ينفتح لها. تجوس خلال غابة تهطل فيها الثلوج.. ثم تتعرف على كائن غريب يدعى طمنوس او فون. ومن خلال مغامرة تتعرض لكثير من اﻻشياء الغريبة. فمثلا حين يلعب الفون على المزمار فاذا باللحن الذي يعزفه يجعل لوسي ترغب في البكاء والضحك والرقص والنوم، كلها في وقت واحد.
ثم يبدا في البكاء حين تخبره ان عليها العودة لبيتها. وكان سبب بكاءه هو شعوره انه سئ جدا ﻻنه استعبد نفسه للساحرة البيضاء.
ثم تبدا الدراما او اﻻثارة الحقيقية حين يعلمها ان عليه ان يسلمها ليد الساحرة. ويبدو انه نادم وعبر عن تغيّره بانه مستعد اﻻ يفعل ﻻنه اختبر حقيقة البشر بعد لقائه بها. وتعود الى عالمها الحقيقي من خلال باب الخزانة الذي تركته مفتوحا.
حين عادت واخبرت اصحابها الثلاثة اﻻخرين – بطرس وادموند وسوزان عما جرى لم يصدقوا.
كانت لوسي متحمسة ان يروا عالم نارنيا فاخذتهم الى خزانة الثياب ولكنها كانت مجرد خزانة. لم تكن فيها غابة او ثلج.
“هيا يا لوسي. لقد صدقناك. انت ماهرة في تاليف القصص. اليس اﻻفضل ان تتوقفي عن مزاحك".
لم تعرف ماذا تفعل فانفجرت باكية. وعلى مدى اﻻيام التالية كان عليها ان تقنع نفسها ان القصة كانت مختلقة.
في احد اﻻيام فكروا ان يلعبوا الغميضة. وكان دور سوزان في اغماض العينين. وفضول لوسي دفعها ثنية ان تتفقد الخزانة .. فاذ بها تسمع وقع اقدام في الممر لذا فقد قفزت في الخزانة للاختباء. كان القادم هو ادموند وقد دخل الحجرة في الوقت المناسب ليرى لوسي وهو تختبئ في الخزانة فقرر حاﻻ ان يدخلها هو ايضا. فاذا بالمعاطف معلقة ورائحة النفثالين فائحة. دخل واغلق الباب.. واخذ يتلمس في الظلام لعل يجد لوسي. اعتقد انه سيجدها بعد ثوان قليلة. وفوجئ جدا انه لم يجدها. وقرر ان يفتح الباب من جديد ﻻدخال بعض النور لكنه لم يجد الباب.
واخيرا سمع اصوات اجراس ولمح غزالين بحجم حصانين قزمين. وعلى المزلجة قزمين يسوقانها. وسط المزلجة كانت امراة لم يسبق ان راى ادموند مثلها. بيدها اليمنى عص ذهبية. اما وجهها فكان ابيضا مثل الثلج. وفمها كان شديد اﻻحمرار. كان وجهها ينم عن ملكة متكبرة ويكشف عن برودة وصرامة.
قالت: “هيا، قل لي ما انت؟"
فقال ادموند: “انا – اسمى ادموند".
“اهكذا تخاطب ملكة؟"
“سامحيني يا صاحبة الجلالة. لم اعرف!”.
“اﻻ تعرف ملكة نارنيا؟". كانت عيناها تقدحان شررا. ورفعت عصاها فتاكد ﻻدمون انها تنوي مرا رهيبا، لكنه لم يقو حراكا. ثم ما ان استسلم لليأس، حتى بدا انها غيرت رايها. فقد قالت بلهجة مختلفة:
“يا ولدي المسكين، كم يبدو عليك البرد! اصعد الى المزلجة فاغطيك بعباءتي".
ثم عرضت عليه شرابا وطعاما. وكلما اكل رغب في المزيد. كان طعاما مسحورا.
فقالت: ﻻ اقدر ان اعطيك المزيد ﻻن. فالسحر ﻻ يشتغل اﻻ لمرة واحدة فقط. اما في بيتي الخاص فالمسالة مختلفة".
فسالها: “لماذا ﻻ تذهبين اﻻن؟" مع انه كان خائفا في البداية ان يذهب معها الى مكان مجهول. لكنه نسى الخوف اﻻن.
“انت اذكى صاب.. اعتقد انه يطيب لي ان اجعلك اميرا. وعندما تصطحب اﻻخرين لزيارتي..”.
فقاطعها:
“ولماذا ليس اﻻن؟
“انا احب ان ارى اخوتك الطيبين..”
لكني ﻻ اعرف طريق الرجوع الى بيتي"
اترى هذا المصباح..؟ هناك بيتي.. وعلى فكرة ﻻ حاجة ان تخبرهم عني. فقط احضرهم معك المرة القادمة واﻻ غضبت".
اومات الى القزم ان يسوق وفيما كانت الزﻻجة تتوارى قالت “ﻻ تنس.. المرة التالية".
وبينما يحدق سمع صوتا ينادي.
التفت فراى لوسي. فسالها: “اين كنت؟"
“كنت اكل طعاما مع الفون. لقد عرف ان الساحرة البيضاء لم تفعل به شيئا سيئا".
“اي ساحرة"
“انها تدعو نفسها ملكة نارنيا. ان لها القدرة على تحويل البشر الى حجارة”.
انتبه ادي الى انه يقف في الثلج، فهتف: “ان الوقوف هنا ليس حسنا لقضاء الوقت. لنعد الى البيت".
مرت دقائق قبل ان يعثرا على صديقيهما المختبئين. قالت لوسي: هيا اخبرهما عن نارنيا!.
اراد ادي ان يغيظها، فتظاهر انه لم ير شيئا.
وهكذا ظنا اﻻخوين بطرس و سوزان ان لوسي فقدت عقلها. وقررا في اليوم التالي ان يخبرا اﻻستاذ الذي يضيفهما.
قال: “اما ان اختكما تكذب او مجنونة او صادقة".
واردف: “انتما تعرفان انها لم تكذب من قبل. وواضح انها غير مجنونة. فلابد انها تقول الحق اذا".
نظرا اليه بطرس وسوزان باستغراب. وعاد اﻻستاذ يقول:
“اقول انها ان كانت ذهبت الى عالم اخر فلا يفاجئني ان يكون لهذا العالم توقيته الخاص. وعليه فمهما طالت مدة اقامتك هناك قد ﻻ تاخذ الا دقائق هنا. ثم انني ﻻ اعتقد ان بنات في عمرها يخترعن تلك الفكرة. فلو كانت تتظاهر ﻻختبات فترة اطول حتى تتسق حكايتها".
قالت سوزان: “اتعني حقا يا استاذ ان هناك عوالم اخرى؟"
“هذا محتمل جدا. لكن هناك حل جدير بالتجريب".
نظرا اليه بدهشة:
“ان ينصرف كل منكم الى شؤونه"
* +*+
مضت ايام وتحسنت الحال وكأن الامر لم يكن. ثم كان يوما ودخل اﻻطفال اﻻربعة معا الى الخزانة. اكان سحرا كان يطاردهم ويدفعهم الى ذلك؟ ام ﻻنهم فقدوا صوابهم؟ بدا انهم كانوا يلاحقون من كل مكان.
قال بطرس: “هيا ﻻ مكان اخر" ثم فتح الخزانة وتكو اﻻرعة هناك ياهثون في الظلام".
..
وجدوا انفسهم في الغابة الثلجية. نظر بطرس الى لوسي وقال معتذرا: “انا اسف. اني لم اصدقك".
قالت لوسي: “ﻻ باس. هيا اريكم الفون".
عندما دخلوا مغارة الون وجدت ورقة مثبتة في اﻻرض:
“قبض على الفون ﻻتهامه بالخيانة وايواء اعداء الملكة ومؤاخاة البشر".
وجوا بعد برهة طائر ابو الحن، ومن تصرفاته عرفا انه يريدهم ان يتبعوه.
بعد نصف ساعة من تتبعه قال بطؤس:
“من يعلم. ربما يكون في صف اعدائنا ويسير بنا الى فخ".
“من معنا ومن ضدنا؟ ومن قال ان الفونات في صقنا. وان الملكة عدو لنا؟ اننا ﻻ نعرف شيئا عن كلا الطرفين".
“هيا فلنعد الى البيت".
“اين ابو الحن؟"
لقد اختفى.
“انظر ها هو هناك"
“انه يراوغنا.
ادرك اﻻطفال اﻻربعة انهم كانوا تائهين.
“انظروا. ها هو سمور!
“انه يضع يده يده على فمه".
“انه يريدنا ان نصمت"
“انا رايت ذيله. ان سمور لطيف".
“هل نذهب اليه"
“لماذا ﻻ نغامر؟".
عندما ذهبوا. وجدوا السمور خلف الشجرة. قالت سزان:
“من يدرينا انك معنا؟"
“ﻻ اقصد اهانة. ولكننا غرباء هنا كما ترى".
قال السمور: “ها صحيح تماما. هذا دليلي". واذ قال هذا ناولهم منديلا ابيض. قالت لوسي فجاة "هذا منديلي اعطيته لطمنوس المسكين".
“لقد شعر نية القبض عليه فاعطاني اياه وطلب مني ان اقابلك هنا واصطحبك الى ...”. واحنى راسه انحناءة غامضة.
ثم طلب من اﻻوﻻد ان يقتربوا اكثر منه حتى بدات شواربه تدغدع وجوههم واضاف بصوت خافت:
“يقولون ان اصلان يتقدم ولعله وصل فعلا".
عند ذلك شعر اﻻوﻻد بشئ جميل يقفز الى قلبه. احس ادموند بالرعب، واحس بطرس انه شجاع واحست سوزان بلحن موسيقي عذب. اما لوسي احست بنفس شعورها في العيد.
لم يكن من الصعب بعد ذلك الذهاب مع السمور اذ دعاهم الى العشاء.
***
لقد حولتهم الى تماثيل" قال السمور بصوت مرتجف.
“ولكن يا سيد سمور.. اﻻ يمكننا ان نخلص السيد طمنوس ؟"
وقالت السيدة سمورة: “ﻻ مجال ان تدخلي ذلك البيت رغم ارادتها ثم تخرجي حية"
.“يمكننا ان نرسم خطة"
قال سمور: “هذا ﻻ ينفع يا ابن ادم. كل محاوﻻتكم فاشلة. اما اﻻن واصلان قادم..”
“اوه، نعم اخبرنا عن اصلان" قالت بضعة اصوات معا في الحال. وكانت مثل تباشير الربيع، ذلك الشعور خالجهم مثل الخبر الطيب المبهج.
“انه سيد الغابة كلها.. هو ﻻ انتم من سيخلص طمنوس".
“الن تحوله هو ايضا الى حجر"
فقهقه "لتحل عليك الرحمة يا ابن ادم. ما اسخف ما تقوله. تحوله هو الى حجر1 اذا قدرت ان تقف على رجليها وتتطلع اليه وجها الى وجه، يكون هذا اقصى ما تقدر عليه.
كما تقول قصيدة قديمة:
سيزول الظلم ويحل الحقيقيةعندما يبدو اصلان للعيان
لدى زمجرته تهرب اﻻحزان
حين تبدى اسنانه يصرع الشتاء
عندما ينفض لبدته نشهد الربيع
فقالت سمورة: “لو وجد احد يقف امام اصلان بغير ان تصطك ركبتاه، لكان اما اشجع الجميع واما مجرد ساذج مجنون".
اذا هو غير مامون؟
طبعا هو غير مامون لكنه طيب وصالح.
انا متشوق لرؤيته مع اني اشعر بالرهبة من مقابلته".
حتما ستقابلونه.
“لكن ماذا ن طمنوس؟
اسرع طريقة لمساعدة طمنوس هي ان تقابوا اصلان بسرعة.
ﻻن قصيدة قديمة تقول
عندما يجلس لحم وعظم على العرش
ينتهي زمن الشر ويعدم
وعليه فان اﻻمور تاتي الى خاتمتها ما دام هو جاء وانتم هنا. لقد سمعنا ان اصلان ات من زمن بعيد ﻻ يقدر احد ان يحدده. ولكنه لم يسبق ان جاء الى هنا احد من جنسكم".
لهذا السبب تفتش الساحرة دائما عن اي بشريين في نارنيا.
تنبهت لوسي : “اين ادموند؟"
وساد صمت رهيب.
“علينا ان نفتش عنه".
صاح سمور: “ﻻ نفع من التفتيش".
لماذا؟ ﻻ يبدو انه ابتعد عنا كثيرا.
“لقد خاننا وذهب اليها.
ﻻ يمكن ان..
وتلاشت كل الكلمات ﻻن الاوﻻد الثلاثة تيقنوا في انفسهم ان هذا ما حدث بالفعل.
ولكن هل يعرف الطريق؟
سال سمور: هل جاء هنا من قبل؟
قالت لوسي: نعم، واسفاه
وهل قال لكم؟
ﻻ، لم يقل.
اذا انتبهوا الي. لقد انضم الى صفها. منذ قابلته وانا علمت انه خائن. كان مظهره كمن التقى بالساحرة واكل من طعامها. لو عشتم في نارنيا لامكنكم دائما تمييز هؤﻻء !
مهما يكن علينا ان نفتش عنه فهو اخونا رغم كل شئ.
ان خلاصكم وخلاص اخيكم في اﻻبتعاد عن قصرها. هيا الى اصلان! هو من يساعدنا!
+
في بيت الساحرة
سمع ادمون الحديث وكان يظن ان اﻻخرين ﻻ يعيرونه اهتماما بل ينفرون منه. هكذا تصور هو ، لكنهم في الحقيقة لم يعملوا ذلك. ثم انه ظل يصغي حتى اخبرهم السيد سمور عن اصلان عندئذ بدا يندس بهدوء وراء الستارة المعلقة على الباب. وذلك ﻻن ذكر اصلان يبعث فيه شعورا غامضا ورهيبا، مثلما بعث في اﻻخرين شعورا غامضا مبهجا.
كان النهار ينفض سريعا وبدا ينزلق في الثلج ويتخبط في الظلام ويسقط في البرك احيانا .. واخيرا راى من بعد البيت.. شعر بالخوف. لكن اوان التفكير في العودة كان قد فات. اضطر ان يدور حول البيت حتى وجد الباب وتطلع الى الساحة الداخلية فاذ به يرى منظرا كاد يوقف دقات قلبه. فداخل البوابة تماما تحت ضوء القمر الساطع، كان اسد هائل رابضا وكانه متحفز للوثوب. ووقف تحت ظل قوس البوابة خائفا ان يتراجع . وقد كال وقوفه هناك حتى كان ﻻبد ان تصطك اسنانه من البرد ان لم يكن من الخوف. وﻻ ادري بالحقيقة كم دام ذلك اﻻ ان ادمون حسبه ساعات.
ثم بدا يتساءل عن سبب هدوء اﻻسد البالغ ﻻنه لم يحرك ساكنا منذ وقعت عيناه عليه.
اخيرا مد يده ولمسه فاذا هو حجر.. كانت الراحة التي احسها ادمون عظيمة جدا.. ثم خطر له ان هذ اﻻسد هو اصلان.. لقد وقع بيدها فحولته الى حجر. اذا ، هذ نهاية كل افكارهم الحلوة عنه! هه! من يخشى اصلان اﻻن؟
قالت السارة: “كيف جرؤت ان تاتي بدون اخوتك؟
انهم على مقربة من هنا جلالتك، في البيت الصغير اعلى السد عند السيد سمور.
فارتسمت على وجهه ابتسامة فظة فاترة.
*
ولنعد الى بيت السيد سمور فحالما قال: لا وقت لنضيعه بداوا يعدون للرحيل.
قالت سوزان: اذا لم تجدنا ستنطلق وراءنا ﻻن ادمون سيكون قد اخبرها بمكان لقائنا باصلان.
قالت السمورة: ولن نتمكن للوصول الى هناك قبلها مهما فعلنا، ﻻنها تركب زﻻجتها بينما نحن نسير.
ﻻ امل اذا؟
بلى، انما ﻻ تضطربي. احضري ستة مناديل من ذلك الجارور. ﻻ نقدر ان نصل قبلها لكن يمكننا ان نظل مختبئين ونسلك طرقا ﻻ تتوقعها.
اسرعوا راكضين و حالما وصلوا الى راس التل راوا منظرا عجيبا. واد ممتلئ بالخضرة.
قال سمور: الم اقل لكم لقد حولت الساحرة كل شئ الى ثلج هنا في نارنيا.
تلفتوا وراوا شخصا يلبس روبا احمر. كان كبيرا ومبتهجا يجلس في زﻻجة تجرها غزﻻنا بنية. وقف اﻻوﻻد ينظرون فلم يجدوه يشبه بابا نويل تماما. قال: لقد تاخرتم! ان اصلان يتقدم نحونا وسحر الساحرة يضعف!
*
كان ادموند قد وصل الى حالة مزرية وكان يظن ان الساحرة ستعامله معاملة طيبة .. لكنه لم تامر له بطعام الحلقوم الذي وعدته به بل امرت خادمها:
"الق له بلقمة يابسة وفاسدة”. وعادت تقول "ﻻ نفع اذا اغمى عليه في الطريق"
حالما وصلت بيت السمور لم تجد احدا. وكانت الثعالب التي سبقتها تحتفل ومعها هدايا. سالت احدهما :
“من اعطاكم اياها؟"
قال الثعلب متلعثما "بابا نويل".
قالت بصوت راعد: “ماذا؟"
ورفعت عصاها
صاح ادمون: “اوه، ﻻ تفعلي. رجاءا ﻻ تفعلي". ولكن بينما هو يصرخ حركت عصاها وفي الحال استحال الجميع الى تماثيل. ثم صفعت ادون صفعة دوخته. وقالت "هذا ليعلمك ان تطلب العطف على الجواسيس والخونة".
وﻻول مرة يشعر ادمون باﻻسى على احد عداه هو. فقد بدا مثيرا للشفقة ان يفكر بتلك التماثيل الحجرية.
وانطلقت بالمزﻻجة. ولكن بعد مسافة بدات تتباطا. ظن ادمون ان ذلك بسبب تعب الغزالين لكن سرعان ما ظهر ان ذلك لم يكن السبب الحقيقي. اخذت المزلجة تهتز وتترنح واخيرا تسمرت في مكانها وظهر صوت سقسقة وخرير غريب وعذب. اﻻ انه لم يكن مستغربا تماما فقد سمعه ادمون من قبل وتمنى فقط لو يتذكر اين؟ ثم تذكر فجاة.
اخذ الثلج يذوب وظهرت بقعة عشب.
“ﻻ نفع يا صاحبة الجﻻلة. ﻻ يمكننا ان نسوق المزلجة فيما الثلج يذوب سريعا".
“اذن يجب ان نمشي"
فدمدم السائق القزم: “لن نلحق بهم".
“امستشاري انت ام عبدي؟"
فتوقف لقزم وقال: “اقول لك ان شتائك قد ازيل وهذا من عمل اصلان"
فرعدت الساحرة: “اذا ذكر اي واحد منكما هذا اﻻسم ثانية فسيقتل في الحال".
+
في احضان الطبيعة
كان السمور والرفقة يتابعون سيرهم صامتين يتذوقون جمال الطبيعة.. وبينما هم هكذا سمعوا اصوات الحان تتناهى الى اسماعهم وعندما اقتربوا من مصر الصوت راوا ما كانوا يفتشون عنه.
كان اصلان واقفا وسط جمهرة من المخلوقات تحلقت حوله. كان اﻻوﻻد يعنقدون انه ليس باﻻمكان ان يكون الكائن طيبا ومرعبا في ان واحد. واﻻن تصحح هذا المفهوم. كان اللقاء باصلان مهيبا. واخيرا تشجعوا: والقوا بالتحية.
اهلا بك يا بطرس ابن ادم. اهلا بكما سوزان ولوسي ابنتا حواء اهلا بكما سمور ويا سمورة"
كان صوته غنيا عميقا.
ثم سال اصلان: “اين الرابع؟"
“كانت الغلطة غلطتي. لقد غضبت وتشاجرت معه. هذا سهل له سبيل الخطا"
ولم يقل اصلان شيئا اما ليعذر بطرس او يلومه. بل وقف ينظر اليه فقط بعينيه الواسعتين. وبدا لهم ان ليس ثمة ما يقال. ثم قالت لوسي:
“رجاءا اهل يمكن ان نعمل شيئا ﻻنقاذه؟"
“ساعمل كل شئ. لكن اﻻمر اصعب مما تعتقدين".
+
سحر قوي
همت فيها الساحرة ذبح ادمون حتى ﻻ تتحقق النبوءة التي تقول ان العروش اﻻربعة في كيربرافيل سيجلس عليها اربعة من بني ادم. وفي اللحظة التي رفعت فيها السكين خطفت من يدها .. كان انقاذ ادمون على يد الطيور والقناطير التي ارسلها اصلان. وقد وصلوا في الوقت المناسب تماما وعادوا بادمون الى المعسكر حيث يقيم اصدقاءه الثلاثة.
قال اصلان : “ها هو اخوكم"
وصافح ادمون كلا منه، وقال لكل واحد بدوره "انا اسف".
اقترب احد الفهود الى اصلان وقال: “يا موﻻي حضر مبعوث من العدو".
فسال: “ما رسالتك"
قال القزم: “ان ملكة نارنيا تطلب اﻻمان".
فقال السيد سمور "ملكة نارنيا حقا! بين كل الوقاحات لم ارى ذلك".
وقال اصلان "صه يا سمور! جميع اﻻلقاب ستعود سريعا الى مالكيها الحقيقيين".
وما كان اغرب التقاء الوجهين. الوجه الذهبي والوجه الشاحب شحوب الموتى.
قالت الساحرة: “لديك هنا خائن" وهي تقصد ادمون.
“لنقل ان ذنبه لم يكن موجها لك".
قالت وصوتها يزداد حدة فجاة: “انت تعرف ان كل خائن ملك لي باعتباره فريستي الشرعية. وانه مقابل كل خيانة يحق لي ان اقتل شخصا".
فقال الثور بصوت خوار عال: “تقدمي وخذيه اذا!”.
فردت الساحرة بضحكة متوحشة: “يا احمق! هل تعتقد حقا ان سيدك يقدر ان يسلبني حقوقي بالقوة وحدها؟انه يعرف انه ما لم احصل على دم كما تقول الشريعة تنقلب نارنيا كلها وتهلك بالنار والماء".
“صحيح! لن انكر ذلك".
ساد الهدوء بحيث بات يمكنك ان تسمع اﻻصوات الضئيلة مثل طنين نحلة عابرة او زقزقة عصفور في الغابة او حفيف اوراق الشجر مع هبوب النسيم. اﻻ ان الحديث مع اصلان والساحرة استمر رغم ذلك.
اخيرا سمع صوت اصلان: “يمكنكم اﻻن ان ترجعوا. لقد حللت المسالة. فانها تخلت عن مطالبتها بدم اخيكم". دبت الحركة من جديج في انحاء التلة. كان الجميع حابسين انفاسهم ثم بداوا يشهقون ويزفرون ثم سرت همهمة كلام.
وبينما كانت الساحرة تدير ظهرها لتمضي وعلى وجهها علامات الفرح الخبيث، توقفت وقالت:
“ولكن كيف اتاكد ان سيتم الوفاء بهذا لوعد".
فزمجر اصلان وهم ان ينهض عن عرشه. ثم انفتح فمه الكبير اوسع فاوسع وصارت الزمجرة اعلى فاعلى. واذ بالساحرة بعدما حدقت لحظة وقد تباعدت شفتاها كثيرا، ترفع اذيالها وتركض مسرعة لتنجو بحياتها.
+
انتصار الساحرة
كان الجميع متلهفين طبعا لسؤاله عن كيفية ترتيبه للامور مع الساحرة، اﻻ ان وجهه كان عابسا ، كما ان اذني كل واحد من الحضور كانتا ﻻ تزاﻻن تطنان من هدير زمجرته فلم يستجرئ احد على السؤال.
وبعدما تناولوا وجبة طعام في الهواء الطلق استلقوا للنوم. قالت سوزان: انا عندي شعور رهيب!”
قالت لوسي: "شئ من جهة اصلان؟"
“نعم، اما شئ رهيب سيحدث له، واما شئ رهيب سيعمله".
“انا ﻻ اقدر ان انام".
“وانا ايضا"
انسلتا من المعسكر. فاذا بهما يريا اصلان يتمشى صاعدا التل. فلحقتا به.
التفت اصلان الى ورائه وقد تنبه لهما وقال: “لماذا لحقتما بي ايتها البنتان؟"
“رجاءا نذهب معك"
“حسنا.. تسرني رفقتكما. لكن عداني ان تتركاني اذهب لوحدي عندما اقول لكما".
“اوه شكرا لك. سمعا وطاعة"
“ايها العزيز اصلان ما بك؟"
“اانت مريض ؟"
“ﻻ انا حزين واشعر بالوحدة. ضعا ايديكما على لبدتي حتى اشعر بوجودكما. ولنمشي هكذا".
ما لبثا ان انتبها انهما يصعدان معه منحدر تل، حتى اذا وصلا نهايته. توقف اصلان وقال:
“ينبغي ان تتوقفا هنا. وجاعا".
فبكتا بكاءا مريرا (مع انهما لم تعرفا السبب تقريبا). وقبلتا عرفه وانفه ومخالبه وعينيه الحزينتين . اما هما فلبدتا تراقبان.
من بعد استطاعا ان يميزا جمعا غفيرا من اشباح وذئاب وعيلان وكانت الساحرة تقف ف النصف قرب الطاولة الحجرية.
وما ان رات تلك المخلوقات اﻻسد الكبير قادما نحوها حتى اطلقت ولولة وصرخة فزع. وبدا لحظة ان الساحرة نفسها قد صعقها الخوف.
ثم اطلقت ضحكة هستيرية وصاحت:
“اﻻحمق! جاء اﻻحمق! هيا اربطوه".
هجم العفاريت وزعقوا زعقة انتصار لما راوا اصلان ﻻ يبدي مقاومة، وتعاون معهم ذئاب واقزام اشرار وقلبوا اﻻسد على ظهره وربطوا مخالبه اﻻربعة. لم يصدر اصلان حتى صوتا مع ان لو اراد ﻻماتهم بضربة واحدة من مخالبه.
“مهلا" صاحت الساحرة "لنحلق له راسه اوﻻ".
لحظات وبدا المقص يعمل في عرفه الكبير ولبدته .
صاح واحد: “عجبا! اليس هذا هر كبير؟".
ثم طافوا به وهم يسخرون
“هر مسكين!” “اوه كم فار اصطدت اليوم يا هر؟"
“اتريد طاسة حليب ايها الهر ؟"
صاحت لوسي والدموع في عينيها: “اوغاد. كيف يجراون على ذلك؟"
ولكن ما ان زالت الصدمة اﻻولى بدا لها ان وجهه كان اكثر شجاعة وجماﻻ من قبل.
كان كل واحد في الحشد يضربه ويلكمه. واخيرا شمرت الساحرة عن ذراعيها وامسكت بالسكين ووقفت قرب راس اصلان اما هو فكان شاخصا نحو السماء ولم يبد عليه الغضب وﻻ الخوف، بل شئ من الحزن. وقبل ان تطعن طعنتها وتحز سكينها في رقبته انحنت وقالت بصوت مترجرج:
“من انتصر اﻻن؟ يا احمق هل ظننت انك بذلك تخلص البشري؟ واﻻن ساقتلك بدﻻ منه".
ولم تريا البنتان لحظة الذبح فانهما غطتا وجهيهما بايديهما.
+
سحر اقوى
بينما كانتا البنتان قابعتين في الدغل يراقبان سمعا صوت الساحرة مناديا:
“هيا اﻻن اتبعوني كلكم حتى نحسم هذه المعركة"
حينئذ احدق بالبنتين خطرا عظيما. احستا ﻻشباح تتجاوزهما كرياح باردة، عابرة قرب مخباهما تماما. واﻻرض تهتز تحت اقدام القناطير الراكضة. وفوق راسيهما عبرت سحابة من الكواسر وغيمة سوداء من الوطاويط الضخمة.
بعد ان ساد الهدوء صعدتا الى التل وراتا اﻻسد ممدا، فركعتا على العشب المبلل بالندى وقبلتا وجهه البارد. وبكتا بحرقة حتى جفتا اعينهما. بدا ان ساعات طويلة مضت قبل ان تشعرا ان الجو يصير ابرد فابرد. بالكاد ﻻحظتا ان السماء الى الشرق صارت اقل اظﻻما. كما ﻻحظتا حركة خفيفة ما، حاصلة في العشب عند قدميها.
لم تهتم في البداية، فما اهمية ذلك؟ لم يعد هناك شئ مهم!
حلت الفتاتين القيود. فبدا اصلان اشبه بذاته بدونها. وكلما تزايد نور الصباح كان وجهه يبدو اكثر نبلا.
ووراءها في الغاب غرد طائر فاجفلتا منه. ثم جاوبه طائر اخر وسرعان ما عم تغريد الطيور.
انذاك تراجع الظلام وهلت تباشير الصباح.. طلع قرن الشمس بمنتهى البطء. في تلك اللحظة سمعتا وراءهما حسا مدويا. صوت طقطقة وقرقعة يصم اﻻذان مثل مارد عملاق يحطم صحنا كبيرا.
فقالت لوسي: “ما هذا وتشبثت بذراع سوزان.
وقالت سوزي: “انا خائفة. هيا بنا.
كانت طاولة الحجر قد انشقت نصفين ولم يكن اصلان عليها، لقد اختفى جسده!
اه ما اسوا لم يتركوا جسد اصلان وشانه!
من فعل هذا؟
اهو سحر؟
فاذا بصوت وراءهما "نعم انه سحر زائد". كان المتكلم اصلان نفسه ينفض لبدته وبدا اضخم مما راتا.
اوه اصلان" وراحتا تحدقان بسرور عظيم خائفتين بقدر ما كانتا مسرورتين.
وقالت لوسي:
“الست ميتا؟"
لست ميتا اﻻن!
فسالت سوزان بصوت مرتعش: “انك لست.. لست ..” ولم تقدر ان تمطق الكلمة "شبحا" حنى اصلان راسه الذهبي ولحس جبينها فغمر كيانها كله دفء عظيم
ما معنى هذا؟
فقال اصلان: “معناه انه لو عرفت الساحرة ان هناك سحر اقوى ﻻ تعرفه. فمعرفتها ترجع الى فجر الزمن فقط. ولكن لو كانت تقدر ان تنظر الى الوراء قليلا في قلب الظلام والسكون قبل ان يبزغ فجر الزمان لقرات هناك صيغة سحرية مختلفة. ولكانت عرفت انه عندما يقتل ضحية بارادته – وما ارتكب خيانة قط – بدلا من شخص خائن، فان الطاول الحجرية تنشق والموت نفسه يبدا بالتراجع واﻻنهزام.. واﻻن"
“اوه نعم اﻻن؟" قافزة ومصفقة بيديها.
قال اﻻس "يا طيب يا بنيتي. “ وقفز قفزة عالية وهبط على الجهة اﻻخرى من الطاولة. فاذا بلوسي وهي تضحك تتسلق الطاولة مسرعة لتمسك به. واذا باصلان يقفز قفزة اخرى. مبتعدا عن متناول ايديهما حينا حتى يتلاشى املهما في اﻻمساك به ، وسامحا لهما حينا بان يمسكا ذيله تقريبا. ومارا بينهما حينا وقاذفا بهما في الهواء حينا بمخالبه المخملية الناعمة ثم متلقفا لهما من جديد. كانت تلك حفلة فرح لم يعرف مثلها في نارنيا.
قال اصلان: “اﻻفضل لكما ان تسدا اذنكما باصابعكما".
ففعلت البنتان هكذا ولما فتح فاه ليزمجر صار وجهه مخيفا وشاهدت جميع ﻻشجار تنحني امام عصفة زمجرته كما ينحني العشب في المرج امام الريح. ثم قال:
“امامنا رحلة طويلة. هيا اركبا على ظهري".
فركبت لوسي ممسكة بلبدته وخلفها سوزان ممسكة بها جيدا. فام اصلان بنهضة قوية وانطلق كالسهم. لم يبطئ اصلان في عدوه حين قال "هذا بيت الساحرة1 واﻻن تمسكا جيدا"
اعتقد انك شاهدت احدا يدس عود كبريت مشتعلا في قصاصة من ورق الجرائد موضوعة تحت الحطب في موقد. تمر ثانية قبل ان يحصل شئ. ثم تلاحظ لسان لهب دقيقا يزحف على طرف الورقة. هكذا الحال عندما نفخ اصلان وهو يتوسط باحة بيت الساحرة الملئ بالتماثيل. دبت الحياة في كل الحيوانات المتحجرة وما عادت ساحة الدار تبدو كانها متحف، بل صارت اشبه بحديقة حيوانات. فقد كانت الحيوانات تعدو وراء اصلان وتتراقص من حوله حتى اختفى وسط الزحام. صارت الساحة اﻻن تعج باﻻلوان الزاهية.
هتف اصلان "فتشوا البيت تفتيشا دقيقا ﻻ تتركوا احدا سجينا..”
اندفعت سوزي صاعدة الدرج: “اصلان وجدت السيد طمنوس هلا تاي مسرعا".
بعد هنييهة امسكت لوسي بيديها يدي الفون واخذا يرقصان من فرط فرحتهما.
اندفع موكب التماثيل المحررة بكامله الى ساحة الدار نابضا بالحياة.
عندئذ بادر احدهم "ولكن كيف نخرج من هنا؟"
وذلك ﻻن اصلان قد دخل القصر بقفزة واﻻبواب مغلقة.
زعق اصلان: “انت هناك نا اسمك؟"
“رعدان موﻻي"
“هلا تخرجنا من هنا؟
“سمعا وطاعة!” ورفع هراوته ونزل بها على اﻻبواب.
صرت اﻻبواب من الخبطة اﻻولى وتصدعت من الثانية وتحطمت من الثالثة.
خرجوا من الوادي وانطلقوا مسرعين الى نارنيا. كان هناك بطرس يحارب الساحرة. وقد جرح في المعركة وقد امتلأت ساحة القتال من التماثيل التي كانت في الأصل مخلوقات مفعمة بالقوة والان قد حولتها الساحرة بعثاتها الى حجارة.
قال بطرس لاصلان بنبرة ممتلئة بالفخر: لولا ادمون لكان الأمر مختلفا. لقد انضم الينا وله الفضل في كسر شوكة الساحرة. لقد اندفع إليها بشجاعة وحطم عصاتها بسيفه.
هيا إليه يا اصلان. لقد جرح.
كان ادمون يتلقى الرعاية من السيدة سمورة..
وعندما شفى تماما أعلن اصلان نبأ تنصيب الأردنيين أربعة ملوكا على عروش نارنيا الأربعة.
وفي منتصف الحفل انسحب ..
لاحظت لوسي اختفائه فتطلعت لتجده على مسافة كبيرة.. لحق بها بطرس وقال: انت تعلمين أنه لا يحب أن يفيده أحد. هو ليس ايدا اليفا بل بريا. ستجدينه من حين لآخر.
الى اللقاء في المغامرة التالية بعنوان (الحصان وكاسبيتن)