ربي ، أدبني ولا تمنع عني رحمتك.
أنا أعرف جيداً وعودك: لست أخشي التأديب إنما أخشي أن تحرمني من الميراث.
وكيف أجد أنا الخاطئ جلدي غير لائق بي .
ووحيدك يجلَد ولا ذنب عليه؟ أني أؤثر التعلّم من عصا الربّ على الهلاك تحت مداعبات الخاطف (عدو الخير).
حين عولجت احترقت وتألمت وصرخت فلا تصغ إليَّ ، تلبيه لإرادتي.
لقد هتف بولس طالباً منك أن تدفع عنه شوكة الجسد ، فلم تسمع له ، بل قلت: حسبُك نعمتي ، لآن الفضيلة تكتمل في الضعف.
وطلب الشيطان أن يجرّب أيوب فأعطيته إياه وتمني الشياطين أن يدخلوا في الخنازير واستجبت لهم أنت تستجيب للشياطين ولا تستجيب للرسول.
أنك تستجيب للشياطين أهلاكاً لهم ولا تستجيب لبولس حباً بخلاصه.
أنا بكيت أمامك أيها الرب إلهي ولم تستجب لي . ما أحمقنى ! ولمَ بكيت؟ سعياً وراء السعادة الزمنية الأرضية.
وهل علمت أن تلك السعادة التي تمنيتُها وطلبتها وبكيتُ في سبيلها قد تقودني إلي الهلاك؟
لم تستجبْ لي حين وجهت إليك ذاك السؤال المحرج لأن الحاجة تعلّمني والبحبوحة تفسدني.
بين يديك ، ألقي بنفسي ؛ يا من تعرف أن تعطيني وتحرمني . لو أعطيتني ما سألتك في غير محله لغضبت علىّ بسببه . ضع على نفسي التجارب لأفزع إليك فلا تغويني الشهوات والطمأنينة.
غضبك ظاهر إنما هو غضب أب . ما أكثر الذين خافوا من التجارب فدخلوا بيتك وملأوه لأنهم بالإيمان عامرون. تحركني بالتجربة لكي تفرغ الإناء من الشر الذي يملأه وتملأه بالنعمة.
بالرجاء أحيا قبل أن أملك . أنت تحضر لكي تمنعني من السقوط لأنك بهذا تعدني فتنهضني وتخفف من حدة آلامي.
أمين أنت يا رب ولا تسمح بأن أجربَّ فوق طاقتي ثم تضع للتجربة حداً لكي أتمكن من احتمالها . ألقني في أتون التجربة إلي أن يشتد الإناء ولا يتحطم.
***
أشكرك يا ربّ ، يا من ضربت ظهري بقروح أدبك ثم ناديتني فأعدتني من الموت . أنك لا تترك الخطايا بلا عقاب ولذلك تجلدني تأديباً لي.
إن جلدتني ، تأديباً لي ، أدركت أني تحت نير عصاك ، وباركتك لأنك تمزج مرارات هذه الحياة الزمنية بحلاوتها لئلا يعميني التمتع بتلك الملاذ ، فلا أعود أرغب في المسرّات الأبدية.
أنت يارب تنير ظلماتي حين تمزج عصي التأديب بخطاياي والمرارات بحلاواتي الكاذبة.
ما أحسنك ! إن كففت عن مزج مرارات العالم بحلاوته نسيتك . فليغضب الخطاة ما شاءوا وما سمح لهم بذلك ، فأني لا أخاف شيئاً إن قويتني.
سأتأمل بما تحملت لأجلي ، يا من لم تعرف الخطيئة . مهما كانت عذاباتي ، فليست شيئاً بالنسبة إلي تلك الإهانات وتلك الضربات وثوب العار وإكليل الشوك وأخيراً الصليب.
سأشرب من ذاك الكأس المرير لكي أشفي.
سأشرب منه دون خوف لأنك شربت منه قبلي كي لا أخاف . شربت منه أنت دون أن تكون لك خطيئة ولا جرح للشفاء
سأشربه حتى تزول مرارة هذا العالم وتقبل الحياة التي لا ريب فيها ، ولا غضب ، ولا فساد ولا مرارة ولا حمي ولا رياء ولا عداوة ولا شيخوخة ولا موت ولا قتال.
التعب ها هنا باق حتى النهاية ، وعليه ، فسوف أعمل خوفاً من أصل إلي نهاية حياتي إن رفضت العمل ها هنا ، ولا أصل إلي نهاية عذاباتي.
القديس اغسطينوس