دون "دون بوسكو" احداث حياته، وكانت ذكرياته تحتفظ بنفس الرونق التي اتسمت به حياته. كما قدمت قصة حياته في عديد من الافلام السينمائية، تجد نظرة على الفيلم الايطالي الاخير بعنوان Don Bosco بالضغط هنــــــا.
اسرد بعض الاقتباسات من سيرته هنا بتصرف.
بينما كان العجوز يهم بغلق الباب اسرعت اليه، سألني:
- عن اي شئ تبحث يا ابني؟
- ابحث عن عمل.
- هذا حسن. تابع
البحث اذا. مسكين انت ايها الصبي الصغير. اننا نستأجر العمال فقط في شهر مارس.
وهم عمال موسميون لا اجر لهم سوى طعامهم.
ثم واصل العجوز جذب المصراع الثقيل ليوصده.
كان صديقي كوميلو شديد النسك كان لا يتناول في بعض الايام
الخبز والماء و كان يترك الطعام ويكتفي بالخبز المبلل بالماء زاعما انه اصلح للصحة.
كان ذلك التصرف متعمدا لانهاك القوى. ما كان مرشد صالح ليتركه
يفعل هذا، موديا بنفسه الى كارثة. حينما حاول بعد عشرين سنة صديقي "دومنيك سافيو"
سلوك تلك الطريق، منعته بحزم، ولكني لم يكن بوسعي في ذلك العهد ان اكون المرشد
الحاذق لصديقي "كوميلو".
وجدني العم يوسف ايضا جاثيا على العشب اصلي، فقال
متذمرا:
- نحن اصحاب العمل نتعب اشد التعب من الصباح
الى المساء بينما انت في احسن هناء تصلي.
- يا عم يوسف، انت تعلم اني لا اتوانى عندما
يجب علىّ ان اعمل، ولكن امي علمتني ان اربع سنابل تنبت من حبتين عندما يصلي
الانسان، في حين انه لا ينبت من اربع حبات سوى سنبلتين عندما لا يصلى الانسان، و
لذلك يحسن ان تصلي قليلا انت ايضا.
عندما يأتي فصل الصيف، كنت ارعى الابقار وانا
متنبه لكيلا تذهب الى حقول الاخرين ولكي لا تأكل عشبا مبللا بالماء على وجه مفرط او تتضارب
بقرونها.
في وقت قصير تألفت فرقتي من الحجارين
والبنائين وعمال الجص والمبلطين، الذين اتوا من نواح عديدة ولم يستطيعوا لاسباب
عديدة العودة الى بيوتهم. صار شغلي البحث عن عمل للذين لا عمل له وكنت ازورهم في
اماكن عملهم. كنت اذهب الى السجون ومعي اكياس من الفاكهة والارغفة
الصغيرة. وغايتي من ذلك ان اخدم الاحداث الذين انتهى بهم الامر الى ذلك المكان
لسوء الطالع، واجعلهم اصدقائي، وارغّبهم في المجئ الى الملجأ حين يخرجون من السجن.
استطعت تعليم اولادي الخمسة والعشرين الموسيقى. وكان اجتماعنا يوم الاحد والاعياد، لولا الموسيقى لظل اجتماعنا جسدا بلا روح. كنت اشجعهم واقول لهم: العبوا وضجّوا واقفزوا. الامر المهم عندي الا ترتكبوا خطية.
كان الاب كوتولنغو في كييري، ضم مئات من المرضى المصابين بداء عضال في بيته الصغير. استدعاه وزير المالية يوما وقال له :
- أأنت مدير البيت الصغير للعناية الالهية؟
- كلا ، أنا موظف بسيط عند العناية الالهية .
- ربما يكون ذلك. ولكني اسألك، من أين لك الوسائل
لإِعالة جميع هؤلاء المرضى ؟
- لقد قلت لك : من العناية الالهية .
وزير المالية الذي تعَوّد أن يفحص الميزانية الوارد والصادر ادهشته هذه الاجابة، مما جعله
يفقد صبره ويقول:
- ولكن أيها الأب الجليل ، المال ؟ النقود ؟ من
أين تأتي بها ؟
- أتعود الى سؤالك ؟ لقد قلتُ لك مرتين، إِنّ
العناية الِإلهيّة ترزقنا كل شيء ولم تَدعنا قط نحتاج الى شيء. سأموت وستموت أنت أيضاً
يا سيدي الوزير، ولكن العناية الالهية ستواصل اهتمامها بفقراء البيت الصغير.
لما أخذت صحة الاب كوتولنغو تضعف، استدعاه الملك
كارلو البرتو نفسه الى القصر الملكي، وقال له بلهجته الجافّة:
- يا أبتِي، هلاّ تُفكّر
في أنَّك أَنت أَيضاَ خاضع لشريعة الموت التي لا ترحم. فماذا يكون في ذلك اليوم مصير
مئات من الايتام والعجزة والمصابين بداء عضال الذين آويتهم في بيتك؟
وبينما الملك
يتكلم كان كوتّولنغو ينظر بطرف عينه من النافذة الكبيرة التي ترى منها الساحة الكبيرة.
كان يسمع صوت وقع اقدام بضعة جنود ، فما إِن تصل فرقة منهم حتى تقف تجاه الآخرى، قال
:
- يا صاحب الجلالة! ما الخبر؟
- هذا تبديل الحرس. إِن الفرقة القادمة تحلّ محلّ
الفرقة الاخرى. فابتسم كوتولنغو وقال:
- هذا هو الجواب على سؤالك. سيجري في البيت الصغير
تبديل بسيط للحرس ، سيذهب الأب كوتولنغو وتَرِسل العناية الالهية خلفاً له. وجرت
الامور كما قال.
انشأت المركيزة ملجأ للفتيات اللواتي كنّ يردن أن يعشن
حياة جديدة، وفتحت بالقرب من المكان "بيت المجدلّيات" للفتيات المعرَّضات
للخطر الخُلقي، وهنّ دون سِنّ الرابعة عشر. كما شرعت في تشييد بناء ثالث، هو مستشفى
صغير على اسم القديسة فيلومينا، من أَجل البنات الصغيرات المريضات أو المعوقات. وكانت المسؤولة الاولى عن تلك المشروعات الخيرية
الثلاثة. وفي احد الايام طار الاب بوريل إلى المركيزة بالخبر:
- وجدتُ لمستشفاك الصغير مرشداً روحياً، انه
يدعى دون بوسكو.
- انا موافقة، ولكن المستشفى الصغير لا يزال في
مرحلة البناء. سنعود الى التحدث بهذا الأمر بعد ستة أشهر.
- لايا سيدتي المركيزة. يجب اشراك دون بوسكو في
العمل في الحال، وإلاّ تم أُرسِاله الى مكان آخر من قبل الرئاسة الدينية.
حينئذ أذنت لي أن اجمع اولادي في أرض ضيّقة بجانب
المستشفى الصغير الذي كان يُبنى.
اليتيم:
كان المطر
يهطل بغزارة حين كان بوسكو ووالدته مرجريت ينهيان عشاءهما، وما ان قاما عن الطعام
حتى سمعا طرقا على الباب وحينما فتح بوسكو وجد امامه صبيا
مبلل وهو في نحو الخامسة عشرة. قال:
اني يتيم وقد
جئت من وادي سيزيا. انا بنّاء ولكني لم اجد عملا بعد. اشكو البرد ولا اعرف الى اين
اذهب.
- ادخل
واستدفئ بجانب النار.
اعدت له
مرجريت شيئا من الطعام، حينما انهى عشاءه سألته:
- والان
الى اين ستذهب؟
- لا
ادري. كان معي ثلاثة ليرات حينما وصلت الى تورينو، ولكني صرفتها كلها". وبدأ
يجهش في البكاء. ثم اردف:
- رجاءا لا تصرفيني.
- يمكننا
ان ندعك تبيت هنا، لكن من يضمن لي انك لن تسرق القدور او اي شئ اخر؟
- لا، يا
سيدتي. انا فقير ولكني لم اسرق قط.
خرج بوسكو الى
خارج بينما كانت السماء تمطر بغزارة، احضر بضعة قوالب طوب صنع بها اربعة قواعد، ثم
احضر بضعة الواح خشبية ورصّها على هيئة سرير، وفرش عليها غطاء سريره، وقال:
- ستنام
هنا يا بنيّ. لن نطردك.
قالت مارجريت:
- هلم اتلو
صلاة قبل النوم.
- لا اعرف.
- ستتلوها
معنا اذاّ.
قبل ان تنام
وضعت مارجريت قفلا على باب المطبخ لم يفتح الا في الصباح، وهكذا ضمنت عدم سرقة
اشياءها.