10 مايو 2015

سارة




انتقلنا إلى بلدة صغيرة حيث تم تعيين زوجي راعيا لجماعة محلية. كنت افرغ الحقائب عندما رن التليفون. قالت محدثتي، "لقد أعطي اسمك لنا على اعتبار امكانية ان تصيري معلمة في مدرستنا". 
كنت على معرفة قليلة جدا بالناس في بلدتي، حاولت أن اخمن الذين قد تطوعوا لاعطاء اسمي لهذه الوظيفة. ولأن السيدة كانت تنتظر على التليفون جوابا، أجبتها، "اسمحي لي ان افكر بهذا، وسأتصل بك مرة أخرى." عدت إلى تفريغ الحقائب، ولكن ذهني كان مشغولا بالتفكير في الاسباب التي تمنعني ان اعمل معلمة. لم أكن حتى ام، فكيف اعمل مع الاطفال. أنا لا أعرف ما يجب القيام به. ليس لدي وقت. ماذا لو لم يكن الاطفال يحبونني؟ قائمتي من الأعذار كانت تزيد كل دقيقة. وكل ما قمت به هو التحدث لنفسي كثيرا للهروب من هذه الوظيفة. 
فجأة قفز الى ذهني هذا السؤال:
"كوني"، هل تتذكري كل الناس التي انفقوا الوقت لاجلك على مر السنين؟ 
كنت أعرف ان هذا نتيجة عناية الله بي، مع انني كنت انانية في ذلك الوقت. وجوه الأسرة والأصدقاء والمدرسين وزملاء العمل طافت بمخيلتي. كل هؤلاء ضحوا باوقاتهم لمساعدتي. كنت طفلة خجولة، لذلك وضع الله العديد من المحبين، والناس الصبورين في طريقي على مدى رحلة حياتي. انه يعرف من أنا في حاجة اليه في الاوقات المختلفة لمساعدتي، فوضعهم في خلال هذه الاوقات بالذات من حياتي. فهل يمكنني أن ابذل مجهودا ولو أقل لمساعدة شخص آخر؟ 
كنت ما زلت مترددة، ولكني اجريت مكالمة اعربت فيها عن قبولي العمل في المدرسة. قالت السيدة في المكتب: "لدينا طفلة في السنة الرابعة الابتدائية و تحتاج حقا لبعض المساعدة. قومي بالتوقيع فقط في مكتب المدرسة، ونحن سوف نطلب منك ان تأتي ساعة واحدة كل أسبوع." المعلومة الوحيدة الأخرى التي عرفتها هو ان اسمها "سارة"، وأنها من بيت فقير. 
كنت عصبية في الحصة التعليمية الأولى . تم تقديمي لسارة. خصصت لنا غرفة أسفل القاعة الرئيسية. شعرت ان هذه ستكون ساعة "طويلة". فلم اكن مستعدة لما حدث في ذلك اليوم. 
كنت اريد أن اخفف عن سارة فقلت لها "دعيني احكي لك قليلا عن نفسي وبعد ذلك يمكنك أن تكلميني عن نفسك". لذلك، بدأت اسرد بعض الامور عن نفسي واحكي لها عن بعض المواقف. ثم انتظرتها ان تتحدث. ولكنها استقبلت ذلك بصمت تام معلقة. كان شعرها الطويل يهفهف على وجهها وحتى لم تفكر بالنظر في وجهي عندما كنت اتحدث. جلسنا في صمت لبضع دقائق وسرعان ما اصبح واضحا انها لن تشارك بأي معلومات عن نفسها. كان عليّ التفكير في شيء سريع. 

حاولت ان ابدأ حديثا معها بأن اسألها عدة أسئلة فبدأت قائلة: "اخبريني عن عائلتك". وعندما لم احصل على أي رد، حاولت باسئلة اخرى مثل "ماذا كانت المواد الدراسية المفضلة لديك في المدرسة؟" ثم غامرت بهذا السؤال: "هل لديك أطعمة مفضلة؟" ولم تكن هناك استجابة، حتى انه لم تأتي اي اشارة باهتة ولو كانت بهز كتفيها. كانت مخاوفي أن افشل تكبر. كيف أساعد هذه الطفلة وهي لا ترغب حتى ان تتحدث معي؟ 
لا ادري ماذا افعل قلت لها: "لماذا لا نرجع إلى فصلك؟". انسحبت من الغرفة، ورجعت الى فصلها حتى قبل أن ان اتمكن من ان اقول لها "مع السلامة". 
صليت لاجل هذا الامر خلال الأسبوع التالي، وقررت أن اقدم لها مزيدا من الوقت. 

عدت خلال الأسابيع القليلة التالية والمشهد تكرر مرارا وتكرارا. سألت عدة أسئلة. جلست في صمت. أكد المعلم لي ان سارة تستفيد من هذه الجلسات، لكنني لم اتمكن من رؤية الشئ الجيد الذي كنت أفعله. بعد أسبوع، حدث شيء مختلف. 
كنت قد سألت سارة سؤال آخر عندما نظرت اليّ وقالت، "أنك تسألين أسئلة كثيرة جدا." بعد أن افقت من صدمة كونها تتكلم، قلت لها الطريقة الوحيدة التي تجعلني اتوقف عن طرح الأسئلة هي ان تتحدثي. منذ ذلك الوقت، بدأ إحراز تقدم في علاقتنا. 
شيئا فشيئا، بدأت تشاركني بعض المعلومات عن نفسها. اخبرتني انه لم يتجاوز اي من افراد عائلتها الصف التاسع أو العاشر، وهذا كان صادم ان اسمع منها عن هذا. فرحت بتحسن درجاتها الدراسية. وحقيقة أنها كانت أصبحت أكثر قدرة في التعبير عن نفسها. وفي مناسبات نادرة عندما كنت أرى والديها كانا يخبراني ان سارة لا تكف عن الحديث عني. شعرت بسعادة غامرة وكنت آمل أنه يوم ما اكون قادرة حتى على التحدث عن المسيح. 
عرفت سارة أنني كنت زوجة قس، ولكن لم أكن قد تطرقت الى موضوعات ايمانية معها كما لم أشعر أن دوري كان معها في ذلك الامر. بمرور الوقت اصبحنا أكثر ارتياحا مع بعضنا البعض، وكانت تذكر عرضا كلمة الكنيسة، ولكن لا شيء أكثر. 
فاجأتني سارة يوما وهي تحييني، "هل يمكنني الاتصال بك هاتفيا في وقت ما؟". سرني أنها شعرت أنها تشعر بالامان معي وتثق فيّ. وافقت على أنها يمكنها الاتصال مرة واحدة في الأسبوع. 


عندما فعلت ذلك واتصلت بي، كان هناك فترة من الصمت ثم سمعت كلمة "مرحبا"، يتبعها فترة صمت أكثر. بعد بعض المناقشات حول كيفية إجراء محادثة هاتفية، بدأت تكون أكثر قدرة على استخدام الهاتف بل كانت احيانا تدردش معي كما لو كنا صديقات لدرجة ان الموظفين في المدرسة لم يكونوا مصدقين انها كانت تهاتفني وتشارك اخبارها معي. 

بدأت علاقتي بسارة بينما كانت في الرابعة، واستمرت حتى في المدرسة الثانوية. انتقلنا في ذلك الوقت الى سكن جديد، ولكني ما زلت اتلقى مكالمات هاتفية عرضية منها تخبرني بما يحدث. في يوم من الأيام تلقيت مكالمة خاصة جدا من سارة.
في مكالمات هاتفية عديدة مع سارة ذكرت أنها كانت تذهب الى كنيسة على مقربة من سكنها. كنت قد شجعتها على الاستمرار في ذلك. في واحدة من مكالماتها الهاتفية الأخيرة قالت: "لقد قبلت المسيح يوم الاحد الماضي واعتمدت". ويا له من خبر مفرح لي!
لم أسمع من سارة اخبارا كثيرة بعد ذلك، لكنها دائما في قلبي وصلواتي.

أدعو الله أن يعضد سارة وينميها في معرفته، انها بالتأكيد كانت بركة لحياتي.
ارجو ان تهتموا بعطاء الوقت واستثمار مواهبكم في رعاية طفل يكون في حاجة اليها. وان تفكروا في الأمر باعتباره استثمارا في مستقبلنا. ان تكون معلما!
وأتساءل، أين سأكون اليوم دون دعم من ناس رائعين ساندوني؟، واين ستكون هذه الطفلة إذا لم أكن قد اتخذت هذا القرار بمساعدتها؟
كوني ل. كوبنج 
===
موضوعات مرتبطة :