28 أغسطس 2021

اقوال تنويرية #٤

لم يقل المسيح ساجعلكم آلهة، بل "السنم الهة؟"، كأن هذا امر واقع. صرنا الهة في عيون الشياطين لان المسيح يتصور فينا. (اوليفر)

ما من سبب للحرب الا لانعدام الاخلاق – نقص المحبة يشعل حربا.. ضعف الايمان يشعل حربا.. سيطرة المادية يشعل حربا.. سبب الحروب هو نقص المحبة، بل انعدامها (فرانك كراين)

 اين الايثار؟ وهل الايثار فقط لبني جلدتي، ام لاي انسان؟ تقدمت الشعوب المتحضرة لانهم تعلموا الحب. وتخلفنا نحن حين قصرنا الحب على دوائر انتماء ضيقة. لقد وجدنا انفسنا نقضر الحب على قبيلة ثم عائلة ثم اصبح كل انسان لا يحب الا نفسه، هذا ان عرف يحبها! وهذه النهاية المأساوية متوقعة كما عبر عن ذلك الشاعر قائلا:
والان انا عاجز عن عشق اية نملة او غيمة او حصوة من الحصوات! (فرانك كراين)

رب معترض يقول ان التنازع شريعة طبيعية. وان الطبيعة انما تنتج افضل اثمارها عن طريق الجهاد والتنافس والبقاء للاصلح.ولمثل هذا المعترض نقول ان هذه الشريعة والفرضية تنطبق على الكرنب (الملفوف)،وعلى الحيوانات. ولكنها قد زالت منذ ظهر الانسان على مسرح التمدن وبدا في تكوين اخلاقه. اجل ان الانسانية قد بلغت الى عظمتها الحاضرة بالتعاضد والتألف (وتكوين التحالفات) وليس بالحرب والعداء. (فرانك كراين)

المحبة لا تعني الشراهة. فاننا لا نستطيع ان ننال من المحبة اكثر من حاجتنا مثلما لا نستطيع ان ننال من الصحة اكثر ما نحن في حاجة اليه.وكثيرا ما نسمع عن خطايا المحبة اي المحبة المفرطة. لكنها اوهام لا حقيقة لها. فانه ما من رجل اغوى امراة لانه احبها كثيرا، ولكن ما قاده الى اغوائها ان محبته لها كانت ناقصة. (القائل مجهول)

الديمقراطية لا تعني البتة المساواة بين الناس، لان الناس لم يخلقوا متساوين في القدرات والمواهب. كل ما في الديمقراطية انها تساوي بين ظروف الجميع وتعمل على تكافوء الفرص، اي انها تفسح المجال لكل انسان ان يكون له مركزه في السياق الانساني (القائل مجهول). 

القول "العالم قد وضع في الشرير" لا يعنى به البشر بل الشر في العالم، وهو موجود ما وجد البشر. فالحروب قائمة في العالم والفوضى ضاربة اطنابها في انحاء العالم. وكل ذلك لاننا لا نؤمن ببعضنا البعض. لذلك اذا سولت نفسك ان تفوقك في الحكمة والفضيلة يقودك الى احتقار عامة الناس فكن على يقين انك في ضلال مبين. (فرانك كراين)

الايمان بالانسان والثقة بصلاحه وبما ميزه به الله من عقل وضمير ووجدان، ضروري للمسيحي كالايمان بحكمة الله وصلاحه. (فرانك كراين)
  
 الوعي الديني قضية مهمة جدًا، كُلنا نولد في مصر مسلم او (غير مُسلم) على البطاقة، ناخد الدين بالوراثة، لكن هل نعرف إن المفترض إننا نُعيد صياغة فهمنا للمُعتقد الذي نتبعه!؟ حين كُنا صغارا لم نكن نعرف ذلك، فهل لما كبرنا، فكرنا!؟ ‏ولا خائف تفكر!؟ هل فكرت في المُعتقد الذي تتبعه صحيح ام خطأ!؟ هل عندك استعداد تسير في مسيرة البحث عن الحقيقة!؟ (الرئيس السيسي)

الشعراء هم صناع الجمال وهم حراس الحق وسدنته.(فاطمة ناعوت)

الشر اعلى صوتا لانه اجوف، والمثل يقول ، الاواني الفارغة تصدر ضجيجا اكبر. اصحاب الصوت العالي هم الاقل فكرا. (فاطمة ناعوت)
 
يخاطبنا الروح قائلاً :لحيظة تركتك و بمراحم أبدية أجمعك إش 54: 7.هذا إخطار إلهى بتدبيره معنا.حين يرى أنه يحسن أن يتركنا لحيظة ( تصغير لحظة) و هذه اللحيظة مثل غمضة عين.لكنها تبدو لنا كالدهر لا ينتهى و كما عند الله ألف سنة كيوم فعندنا العكس نرى اللحيظة كألف سنة و تطول بنا و نتأوه (اوليفر)

حين يتركنا الله يعود الانسان إلى التراب و هو حى.وقت لا تعزيات فيه.لا يشعر بلذة الحياة مع الله.كأن الله أدار ظهره و مضى .فتصبح الأرض قدامنا بحراً هائجاً بلا شطآن,يشعر الإنسان نفسه رخيصاً للغاية.كفريسة ملقاة بلا حماية وسط الوحوش. اوليفر.

من يزرع الرذيلة يحصد الموت، ومن ثمارهم  تعرفوهم . عسى نارهم تاكل حطبهم..

الألتراس الدينى الذى يهتف لأردوغان ويعيش بيننا ونحن على شفا حرب ضد نظامه على أرض ليبيا، هو نفسه الذى سيلطم الخدود ويشق الجيوب لو صدر قرار من حكومة إسرائيل بتحويل المسجد الأقصى لمعبد يهودى بعد التنقيب عن هيكل سليمان، وسيتعللون وقتها بالحق الدينى التاريخى أسوة بتحويل أردوغان لكنيسة ايا صوفيا لمسجد، واحدة بواحده!!. (د. خالد منتصر)

الحالة الألتراسيه لاتظهر فقط عند تحويل الكنائس الى مساجد، ولكنها تظهر أيضاً عند نشر خبر اعتناق فرد للإسلام وبالطبع الأفضل أن تكون امرأه فهذا يضيف البهارات على الخبر ويشعل حماس الألتراس الدينى ويشفى الغليل ويثلج الصدر وينعش فؤاد الألتراس! (د. خالد منتصر)

دينك ياعزيزى لايحتاج إلى احتفالات لتخلى الآخرين عن دياناتهم، احتفل بدينك بأن تعمل وأن تنجز وتتحقق وتفرض نجاحك وتشارك كتفاً بكتف فى سباق الحضارة، لم أسمع أن الصين أو الهند احتفت بالنجوم الأمريكيين الذين يخرجون على وسائل الإعلام ليعلنوا اعتناقهم البوذية أو الهندوسية. (د. خالد منتصر)

 الصين تحتفل بنموها الاقتصادى الذى يهدد مكانة أمريكا، و الهند تطلق أقماراً صناعية منافسة، وتزيح شركات أدوية أمريكية من على عروشها، وتجعل من أبنائها الهنود مبرمجى الكمبيوتر العصب الأساسى الذى لايمكن أن يستغنى عنه وادى السليكون، لذلك لا الصين ولا الهند ولا كوريا ولا اليابان ..الخ لديهم ألتراس دينى يقيم الأفراح والليالى الملاح لدخول أى فرد لدياناتهم. (د. خالد منتصر)

‏ليس هناك أخطر من الإرهابي الأليف، الإرهابي الأليف هو الذي يعيش بين الناس المسالمين ويبدو إنسانا مسالما ظاهريا ولكنه يمدح طالبان والقاعدة وداعش، لا هو ذهب للجهاد معهم وعاش ما يمدحه. ولا هو عاش كما يعيش بقية الناس وشجع الدولة والنظام الذي يوفر له السلم والأمان وحياة كريمة (الاخ رشيد)

تنطوي الدعوة للتراث على شعور مضمر ولكنه غير مبرر بالافلاس والهزيمة ازاء للغرب. غير ان هذا الشعور المضمر على مستوى اللاوعي يتسامى على صعيد الوعي ليغدو شعورا بالاستعلاء والزهو بامتلاك ما لا يمتلكه الغرب.(د. صلاح قنصوة)

منطق التآمر في نهاية الامر هو منطق استسلام عندما يصور المؤامرة انها محبوكة ومحكمة التدبير بحيث لا يمكن مواجهتها والتخلص من اثارها (د. صلاح قنصوة)

نحن نهلل عندما نكتشف ان احد افكارنا بلغت الغرب وافاد منها، ولكننا نغضب عند استخدام البعض لفكرة وافدة. ونحن هنا لا نستخدم ميزانا عادلا اذا كنا نقصد "الميزان التجاري"..(د. صلاح قنصوة)

منذ سنوات طويلة نتحدث عن علم الاجتماع الذي ابتكره ابن خلدون ونقيم المؤتمرات ونستقدم الاجانب للاعتراف بفضله. غير ان ذلك لم يحدث ان حفز على انتاج بحوث تستلهم نظريات ابن خلدون القديمة. (د. صلاح قنصوة)
 
العلمانية ليست مذهبا ولا نظاما حتى يقال ان منها المعتدل ومنها المتطرف كما يزعم انصاف المتعلمين. هي وصف لحالة او وضع يعترف بفصل السلطة السياسية وسلطة رجال الدين. وهي حالة لا يحدد موقف معينا من الدين، اي دين، او يحدد موقفا سياسيا معينا. (د. صلاح قنصوة)

العلمانية كاصطلاح – مفهوم سلبي لا تعلن قط الا كرد فعل فقط على من يسعون لخلط الاوراق بين الدين ونظم الحكم المختلفة. فهي لا تعبر عن نظام حكم معين بل هي اشارة للوضع الطبيعي والتاريخي للحكم في كل زمان ومكان في وجه من يحاول لاسباب دنيوية ان يسمى حكمه اسما خاصا (دينيا) يفضل به غيره عن عباد الله. فالواقع كله في السياسة امر دنيوي زمني وبالتالي ليس في حاجة الى تسمية خاصة. (د. صلاح قنصوة)

ما دمنا لم نجعل لرجال الدين سلطانا سياسيا فان الامر ليس في حاجة الى اثارة صراع حول مشروعية مصطلح العلمانية. فالامر كله هروب من القضايا الحقيقية الى مسائل لفظية لاهدار الجهد في التراشق بالاتهامات بالتكفير والعمالة. (د. صلاح قنصوة)

العلمانية هي اسم الممارسة الفعلية للسياسة، واكتشافنا لذلك هو من نوع اكتشاف مسيو جوردان في احدى مسرحيات "موليير" انه يتحدث النثر منذ 40 عاما دون ان يتعلم القراءة او الكتابة (د. صلاح قنصوة)

24 أغسطس 2021

مات معدما مشردا

مات معدما مشردا
عن كتاب: جهاد القديسين، للارشيدياكون رمسيس نجيب
.. ذهب الراهب بطرس يقابل الانبا مينا، ويطلب منه ان يرسمه اسقفا.. ولم يكن الراهب يستحق هذه الدرجة.. فرفض البطريرك طلبه .. ولما لجا الراهب الى التهديد طرده الانبا مينا من امامه.. فخرج يدبرخطة للانتقام وترك قلبه وضميره للشيطان..
اخذ بطرس الراهب يفكر وعلا صوت تفكيره..
انا احتاج الى المال.. فكيف الحصول عليه؟ لكي اذهب لمقابلة الخليفة!
انني اعرف العلاقة الطيبة التي تربط بطريرك انطاكية ببطريرك الاسكندرية..
اذن فلاذهب اليه .. انه قادر ان يمنحني المال!
.. ويزيف الراهب المتشامخ خطابا بامضاء البابا الانبا مينا ويوجهه الى بطريرك انطاكية، ويطلب منه المال فقد فرغت خزائن الكنيسة .. وينخدع ابطريرك الانطاكي ويمنح الراهب المال مزودا اياه بكل عبارت المودة، ليحملها الى الانبا مينا..
ويطلق بطرس ضحكة هستيرية ، فقد حصل على المال، وبقى ان يعزل الانبا مينا ليأخذ مكانه! ويذهب الى الخليفة العباسي جعفر المنصور الذي كان تربطه بالمسيحيين كل المودة.. 
ويستغل الراهب تلك المودة ويتردد على الخليفة ، ويتفرس الخليفة في وجه الراهب بطرس، فيجد فيه شبها كبيرا لابنه الذي مات منذ شهور، فيبقيه عنده، ومن ان لاخر يدخله الى زوجته فتراه.. فتتعزى!
وينال الراهب بطرس كل ما يريد.. ويأخذ من الخليفة خطابا الى والي مصر، لكي يجلسه على كرسي مار مرقس.. وعلى الوالي تحقيق هذه الرغبة..
.. ويعود الراهب بطرس اكثر ما يكون متشامخا متعاليا ، فقد امسك بزمام الامور. او هكذا حسب! ويقرا الوالي رسالة الخليفة، ويقع في حيرة! لانه يكن للبابا مينا كل مودة.. وفي كثير من الاحترام يستدعي الانبا مينا الى دار الولاية ليطلعه على الامر.. ويحضر البطريرك ويدخل دار الولاية ليجد بطرس الراهب ، وهو يجلس في خيلاء.. ويوجه كلمات قوية ويقول له:
- كل غرس لم يغرسه ابي السماوي يقلع.
وانت ان اغتصبت كرامة الكهنوت . فاعلم ان هذا لن يتحقق لك.. بل سينزع عنك كهنوتك وتلقى حتفك مشردا..
ويرد الراهب بطرس في عجرفة:
- عليك الخضوع والا نالك من العذاب الوانا..
ويلتفت في كبرياء الى الوالي ويقول:
- كيف تجرؤ ايها الوالي مخالفة اوامر الخليفة؟
واعترى الوالي شئ من الذعر. واجتاحت نفسه رياح الصراع.. بين ما يكنه للبابا من مودة ، وبين ما يقراه من اوامر الخليفة.. لكن في شجاعة العربي الذي لا يقبل الذل قال للبابا:
- ثق ايها البابا الوقور انني سابذل جهدي لحمايتك ن اي اذى.
ويتدارك الانبا مينا الموقف .. فقد كان عليه الا يحمل الوالي فوق ما يستطيع ، فيرسل في احضار الاساقفة ليخبرهم بقرار الخليفة.. وجاء الاساقفة الى الفسطاط وقبل ان يدخلوا دار الولاية قصدوا احدى الكنائس يرفعون قلوبهم الى الله.. في اتضاع.
ويستعجل الراهب بطرس ساعة الفوز.. ويدخل الكنيسة على راس قوة تحرسه، يث كان الاساقفة مجتمعين للصلاة.. وتحتد روح الانبا مويسيس اسقف اوسيم، ويعترض طريق بطرس الراهب قبل ان يدنس الهيكل.. ويصرخ في وجهه:
- انت خائن للكنيسة!
محروم ومقطوع من شجرتها..
ويابى بطرس الا ان يقبض على الاساقفة.. ويرحلهم الى دار الولاية حيث كان رئيسهم الشرعي في انتظارهم.. هكذا كنت تحيتهم لبعض.. خلال الايام القليلة التي امضوها في دار الولاية :
نحن اعظم من منتصرين بالذي احبنا..
وسنبقى الى الابد مخلصين لكهنوتننا
ولن ينقطع رجاؤنا في مخلصنا.
ولطالما حاول الراهب ان يستثير الوالي على الانبا مينا ومن معه دون ان يفلح.
**
وازدادت سطوة الراهب بطرس الى الدرجة التي اراد بها اذلا الانبا مينا ومن معه من الاساقفة .. فقد ادعى انهم على معرفة بتحويل بعض المعادن الرخيصة الى ذهب.. واستجاب الوالي لسخافات الراهب.. ويعرض عليهم فينكرون ذلك ويتنع الوالي.
ويتمادى الراهب بطرس في غيه .. الى الدرجة التي اخرجت الوالي عن هدوئه فقال:
- ويحك ايها الشقي ! اهكذا تعامل ابو النصارى؟
فرد بعجرفة:
اتقول انت عنه ايضا انه ابو النصارى؟ انني سابلغ امرك الى الخليفة !
هن يفقد الوالي صوابه فيقرر القبض عليه .. وفي شجاعةيفرج عن البابا ومن معه فيعودون الى كراسيهم مكرمين.. ويبقى الراهب بطرس نزيل السجن لا يجد من يمد العون له!
**
ويعزل الوالي – لا بسبب افراجه عن البابا – وانما استجابة لامور اخرى تجري في البلاد انذاك. ويجئ بعده الوالي الجديد .. فيصدر عفوا شاملا عن المسجونين .. ويخرج بطرس يتنسيم نسيم الحرية.. ولكن يعود الفكر الشيطاني يلح عليه.. ويستعد للذهاب الى الخليفة.. ولم تمض ايام على خروجه من السجن.. ولكنه يجد الخليفة وقد مات فيعود بخيبة.. ويذهب الى قريته يقضي باقي ايامه لكنه يجد نفسه ملعونا من الاقارب .. مطرودا من البشر .. مات منبوذا من الناس .. فقيرا معدما مشردا!

البابا ميخائيل


سيرة البابا ميخائيل الاول
(١)
وهطلت الامطار:
واحتدم نقاشهم الى اليوم العاشر دون جدوى وهم يحاولون اختيار المرشح الذي يشغ الكرسي البطريركي.. وفجاة يصرخ واحد منهم:
- ان لم يحضر اجتماعنا الانبا مويسيس اسقف اوسيم فلن تنجح مهمتنا!
واقتنع الحاضرون فارسلوا في طلب القديس الاسقف الذي كان يمضي بضعة ايام للاستشفاء في دير ناهيا بالقرب من الجيزة.. وجاء القديس معهم الى كنيسة الانبا شنودة ببابلون حيث يعقد الاجتماع.
وانصت القديس الى حوار المجتمعين، واصواتهم وهي تتلاحم تنخفض تارة وتعلو ترة اخرى.. ثم في هدوء وتؤدة قال لهم: 
- علينا يا اخوة، ان ننقطع للصوم والصلاة في عزم وحرارة.. واني واثق ان الله سيرشدنا ويدبر رعاية كنيسته.. ولينصرف كل واحد الى مكانه ولمدة يوم كامل .. ثم نعود بعدها للتشاور ..
كان الانبا مويسيس غارقا في صلواته والليل يمضي الى نهايته حين دخل اليه تلميذه في شئ من الحياء .. ولكن الرؤيا التي راها تلح عليه..
- اغفر لي يا ابي .. لقد تجرات على الدخول حين احسست انكلا تزال مستيقظا. لقد اوحى لي الملاك لاخبرك، ان الراهب الذي اختاره اله للرعاية، هو ميخائيل المترهب بدير ابي مقار.
ويعتدل الانبا مويسيس في جلسته، فقد كان يعرف تماما صلاح ذلك لرجل ووداعته.. وقا لتلميذه الطيب:
حقا هو ملاك الرب الذي اوحى اليك بهذا الاقتراح! انه راهب كفء للقيام بهذا العمل.
++
واجتمعوا في الصباح، ودارت الناقشة هادئة وهادفة.. فقد وقف احدهم دون علم بما حدث مع الانبا مويسيس او تلميذه.. واخذ يسرد فضائل الراهب ميخائيل المقاري، وناشد الحاضرين ان يختاروه، .. وهنا تكلم الانبا مويسيس وشرح لهم رؤيا الملاك.. فارتاحت القلوب. اذ سمع الله لصلاتهم وقبل صومهم.. وفي الحال تشكل وفد من الحاضرين لذهاب الى دير القديس مقار لاحضار الراهب المختار.. المزمع ان يجلس على كرسي مارمرقس!
وتمت المفاجاة التي طمانت القلوب.. فبينما يقف الوفد على عتبة الدير، حتى يتقابل مع وفد اخر كونه رؤساء الاديرة، واجمعوا ان يكون على راسه الراهب ميخائيل، ليسند اليه مقابلة الوالي في امر الجزية الباهظة التي فرضها عليهم سلفه.. وانضم الوفدان معا الى الفسطاط وهم يترنمون بالمزامير ويشكرون الرب!
واجتمع الوفدان امام حفص بن الوليد .. وكان لهما ما ارادا.. ولكن الذي ملا القلب بالتعزية، ا الوالي حين التقت نظراته بالراهب ميخائيل ظل يتفرس في وجهه بضع دقائق، ثم قال:
- حقا ان هذا الرجل اختاره الله ليرعاكم، فخذوه واذهبوا به بسلام!
**
وركبوا معه السفينة في طريقهم الى الاسكندرية ، وهم اشد ما يكونون اغتباطا.. والجموع فوق شاطئ النيل تتزاحم لتحيي الرجل الذي سيودع الله فيه سر الرعاية.. وعند اوسيم، ينضم الانبا مويسيس الى الركب البابوي.. وساروا الى الاسكندرية وسط مظاهر التكريم والحفاوة .. وكان الموكب الى الكنيسة المرقسية تحف به جكموع الشمامسة والكهنة، وهم يحملون الشموع والمباخر ويرفعون الاناجيل والصلبان .. وما كاد الموكب يخطو بضع خطوات داخل الكنيسة ، حتى تهطل الامطار مدرارا، بعد انقضاء سنين، لم تر فيها الاسكندرية قطرات الامطار .. فكانت فرحة الشعب فرحتين، واحساوا ان الله قد رضى عن شعبه، وارتفع لهتاف .. وسط كل مظاهر الفرح الروحي الذي انسكب بغزارة على القلوب سيم ميخائيل الراهب ، بطريركا على الكرازة المرقسية فاصبح البطريرك ال 46 لرسول المسيحية في ديارنا..
حدث هذا في عام 735م
+
اروع مواقف الوطنية:
استبد جور الوالي .. ووقف البابا معتازا امام ما طلبه منه .. فلم يكن معه شئ ن المال .. فالقى به في سجن بارد مظلم.. فجوة منحوتة في صخرة.. لا يدخلها هواء ولا يسطع فيها شعاع شمس .. ولم يكتف الوالي بهذا ، بل طوق عنق البابا ميخائيل بطوق من حديد، وثقل كلتا قدميه بقطعة من خشب.. وكان على الانبا ميخائيل ان يتحمل هذا المصير البائس. وربما ارد الله ان يخفف من وطاة هذا المكان المظلم، حين زج الوالي معه باسقفين هما الانبا مويسيس اسقف اوسيم والانبا ثيؤدورس اسقف بابلون. وظل الثلاثة في وسط تلك المهانة يرفعون قلوبهم الى الله .. ويدون الحاظهم الى فوق .. معتازين مكروبين مذلين.. لا يملكون من مال الدنيا شيئا .. لكن كان لهم الايمان الذي يبدد ظلمة هذا الدهر وظلام ذلك المكان..
وامعانا في اذلالهم .. زجوا معهم في اليوم التالي بعدد غير قليل من اشرار حكم عليهم .. وعندما تبين هؤلاء الاشرار ان الذي يمضي الوقت معهم في هذا المكان هو البابا ، اهتزت فيهم ضمائرهم.. واقبلوا على توبة عميقة.. اما هو فقد طيب قلوبهم اذ فتح امامهم باب الرجاء العظيم.. وهكذا في عمق الظلمة يخرج البابا هؤلاء القوم الى النور ويطلقهم الى الحرية!
.. ويندفع لدى الوالي، واحد من المسيحيين، ومن المقربين اليه.. فيستدعي الوالي البابا من السجن .. بعد ان امضى شهرا كاملا .. ويتكلم الانبا ميخائيل امام الوالي .. في هدوء وقوة.. بوجه باسم وصفاء وقامة معتدلة لم يحنها الذل وبكلمات اقوى من السيف..
- ليس عندي مال .. ولكن عندي الابناء!
دعني اطوف بالبلاد اجمع لك ما تريد!
وهذا كل ما استطيع ان افعل!
.. ويوافق الوالي .. ويذهب البابا الى صعيد مصر .. يصنع الخير ويثبت المسيحيين ويطلب المال.. ويجمع بقدر ما يستطيع .. فقد فتحوا قلوبهم واعطوا ما تمتلك ايديهم .. وعاد يحمل الى الوالي ما جمع وان كان ليس بالقدر المطلوب!
ودخل الفطاط حيث دار الولاية . وكان الطبيعة ارادت ان تعيد للرجل كرامته.. فحدث زلزال اثار الرعب في القلوب.. ولعل هذا ما جعل الوالي يقبل ما جمعه البابا في هدوء .. وبعدها يذهب البابا الى كنيسة ابي سرجة حيث يقيم القداس الالهي .. ويرفع ذبيحة الشكر للاله القادر..
ولكن شيئا ما غير الاحداث ، ورفع البابا ميخائيل في نظر الوالي والخليفة، فقد حدث ان استشاط ملك النوبة غضبا حين سمع بقصة البابا، واذ ظن انه لا يزال بالسجن، جرد جيشا قويا وزحف به نحو مصر.. واستطاع ان يدخلها ويصل الى مشارف الفسطاط، وهنا حين اسقط في يد الوالي ارسل في طلب البابا.. وذهب الانبا ميخائيل ليقابل الجيش الرابض، في روح عالية من الوطنية.. ويرده الى بلاده .. وينهي خلافا كان ممكنا ان يحدث .. بدافع عميق من حبه للوطن! ويسمع عبد الملك بن مروان بهذا الموقف المشرف.. ويعظم هذا الامر في عينيه فيزداد اعجابا بالبطريرك .. ويعود السلام الى كنيسة الله!
ويمضي البابا الذي اختاره الله، وقته وهو يشيد الكنائس التي هدمت، ويشدد القلوب التي ارتاعت.. ويرفع انظار شعبه الى الاله المصلوب القادر ان ينجي من الموت ويمنح السلام لانه واهب السلام ورئيسه!
*
(3)
من مطرانية الجيزة
الدولة الاموية توشك ان تلفظ انفاسها.. البركان ينفجر في كل مكان .. الحكم في طريقه الى بني العباس بعد ان ظل معقودا لبني امية.. ويرفع ابو مسلم العلم الاسود الذي للعباسيين، يزحف ويسقط الولايات واحدة تلو الاخرى.. وتتداعى حصون مروان فيذهب الى مصر في محاولة يائسة لجمع شمله. ولكنه يجد مصر ثائرة في كل مكان من ور الولاة وفسادهم.. البشموريين يقاومون الوالي على شكل حرب عصابات غير منظمة، ووالي الاسكندرية يعلن الاستقلال يريد الانفراد بحكمها!!
يرسل مروان حوثرة اشد قواده بطشا لقمع الثورة في الاسكندرية، وينجح حوثرة. ويذيق الشعب القبطي بالاسكندرية الوان العذاب، ويزج بالكثيرين في السجن. يفرض الضرائب الباهظة .. ثم يقبض على الانبا ميخائيل ويضربه ويلقي به في السجن.. ومن هنا تتجدد متاعب الرجل.. ويصل العبايون يتعقبون مروان داخل الاراضي المصرية فيرسل مروان في طلب حوثرة.. والغرب ان الخليفة وسط كل هذه المتاعب، يصر ان يذيق البابا ومن عه العذاب، وهو في حشرجة الموت!
ويعود حوثرة الى مروان ولكنه لا ينسى ان يوصي احد ضباطه بالانبا ميخائيل ومن معه ، ليرافقهم الى الفسطاط مركز الولاية.. والضابط ياخذ الطريق الاكثر امانا .. فيركب الانبا ميخائيل مركبة تقله الى الفسطاط.. وتمر المركبة باوسيم حيث يقف اسقفها الانبا مويسيس ينتظر قدوم البابا، فقد اخبره سكرتير البابا بك شئ واسرع اليه.. ويصرخ القديس الانبا مويسيس في المحيطين حوله:
من شاء ان ينال اكليل الشهادة فليتبعني.. لطالما تمنيت هذا اليوم ! وينضم الى الانبا ميخا الاسقف الشيخ وسكرتير البابا وقارئ من دير الانبا مقار.. لتصل بهم المركب الى الفسطاط .. تحمل موكب الشهداء دون سفك دم.. في عوزهم وكربهم وذلهم!
ومروان في فساده وغباوة فسوقه، واذ يجد العباسيين يدركونه، يحرق الفسطاط بمن فيها، .. وفي قسوة لا ينس ان ياخذ معه الانبا ميخا  ون معه، يعبر بهم النهر الى الضفة الاخرى.. وينصب هناك خيامه .. ليقف وجها لوجه امام جيش العباسيين.
لا يفصلهما الا النهر الخالد!
***
.. حدث هذا في 26 يوليو..
وعلى ضفة النهر الخالد في شمس يوليو المحرقة.
وعلى مراى ومسمع من الجميع .. ينصت مروان الى وشاية احد رجاله.. ويثور غضبا على الانبا ميخائيل.. ويقرر اذاقته العذاب! فقد امر باحضارهم .. وظل يوسعهم ضربا وسخرية . ثم جردهم من ملابسهم.. وتركهم عراة يقاسون وهج شمس يوليو المحرقة .. ولم يكتف بهذا بل اخذ ينتف لحية الانبا ميخا في غير شفقة!
ويزداد جنون الخليفة مروان .. ففي اليوم التالي امر باحضار البابا.. ويذهب السياف الى خيمة البابا.. ويامره بفظاظة ان يتبعه . ولكن الانبا مويسيس يمسك بالبابا ويوجه كلمته للسياف:
- حي هو الرب اني لا افترق عن ابي الروحي. لقد اليت في نفسي ان اتبعه حيثما سار!
وبينما كان السياف يحاول اقناع الشيخ الوقور الانبا مويسيس ، اذ برسول ثان يحضر من قبل الخليفة، ليحضر الجميع.. ويساق الكل الى حيث يوجد الخليفة.. في مهانة وفي عوز . ويقفون بلا سند امام بطش الخليفة.. ويجهز السياف الات التعذيب .. فلم يكن الخليفة قد استقر على راي في طريقة قتلهم! 
وتقف الذبائح الطيبة .. في هدوء واستسلام عذب للموت.. وظل كل واحد يستعد للاستشهاد..
الانبا مويسيس يركع امام البطريرك.. يطلب منه الحل..
الكهنة يركعون امام الاسقف يطلبون منه الحل..
العلمانيون يركعون عند اقدام الكهنة يطلبون الحل..
ويرفعون اياديهم فتتعانق علىشكل صليب. وه اشد ما يكونون قوة امام الموت.. قلوبهم تردد:
مستعد قلبي يا الله، مستعد قلبي!
.. كان مشهد الرجال يثيرالشفقة في قسى القلوب .
ولكن قلب مروان كان اقسى ن الصخر.. ولم يرجع الخليفة عن قراره بقتلهم الا حين دخل ابنه اليه ليكلمه:
- تمهل يا ابي قبل ان تمس هؤلاء باذى.. فنحن الان في ضيق عظيم. وقد تضطر للهرب الى السودان. ولسودانيون اولاد روحيون لهذا الشيخ الوقور. فلو انك قتلته او الحقت به الاذى، فانهم سيرفضون ايواءنا.. بل قد يعمدون لى الاخذ بثأره!
واقتنع مروان بكلمات ابنه وامر بحبسهم في زنزانة خلف ثلاثة ابواب حيث الظلام الدامس والهواء الخانق.. وهناك في هذا المكان مكثوا ينتظرون مصيرهم على يد خليفة، ملك الحقد قلبه .. ويتكلم الانبا ميخا بكلمات التعزية.. ويرفع قلبه في صلاة:
يا ربي اسمع صلاتي واصغ الى تضرعي..
بامانتك استجب لي بعدلك.. لان العدو اضطهد نفسي 
اعيت في روحي، تحير في داخلي قلبي..
اسرع اجبني يا رب.. فنيت روحي. لا تحجب وجهك عني..
**
ووصل الشر الى مداه .. فقد ترك مروان جنوده للنهب والسلب.. دنسوا البيوت وامتدت ايديهم بالاساءة الى كل اح.. وحتى الاديرة لم تسلم من عبثهم وجورهم.. قتلوا الرهبان واحرقوا الاديرة.. حتى صعد الى الرب صراخ شعبه.. فيعبر العباسيون المخاضات بعد ان خبرهم بها بعض الاهالي وقد ضاقوا ذرعا بمروان.. وعبروا الى الضفة الشرقية .. وانهوا حكم الدولة الاموية.. وانتقل الحكم من بني امية الى بني العباس.. وقتل مروان وهرب ابنه الى الحبشة.. ونسى مروان البابا ميخا ومن معه.. وعندما تاكد المسلمون الذين ضاقوا بمروان انه لن يعود بعدما غربت شمسه، فتحوا الابواب وواطلقوا سراح البابا وصحبه. وساروا معهم في وسط موكب الابتهاج الى دار المطرانية، حيث يقيم الانبا بطرس مطران الجيزة..
كان هذا في ليلة الاحد الاول من مسرى المبارك حيث يستعد المسيحيون لصوم العذراء..
واكرم العباسيون الانبا ميخا . واعطوه الحرية اللائقة له.. ومن دار مطرانية الجيزة.. خرج يشدد انفس المؤمنين ويشيد الكنائس ، ويعمر الاديرة، ويخدم الملك المسيح.. الذي نظر الى ذله ونجاه!
عن كتاب: جهاد القديسين ، الارشيدياكون رمسيس نجيب