عندما خلق الله محار البحر, فإنه كفل له تدابير كافية لسلامه و أمنه, فأقام الله صدفة حوله لتحميه من الأعداء, وعندما يجوع المحار, فإنه ببساطة يفتح القشرة الخارجية, ثم يندفع له الطعام من الخارج.
ولكن عندما خلق الله النسر, فإنه قال ان تكون السماء حداً له, وأن يذهب النسر ليبني له بيته, وقد بنى النسر عشه فوق صخور أعلى الجبال حيث تهدده العواصف الشديدة كل يوم, ولكي يحصل على طعامه, فإنه يطير أميالاً وأميالاً وسط الأمطار والثلوج والعواصف.
من المثير أن تتخذ الولايات المتحدة الأمريكية النسر وليس المحار شعاراً لها.
ولكن من المثير أيضاً أن شعار المسيحين ليس هو قشرة منتفخة أو كرسياً هزازاً إنما هو صليب وشخص معلق عليه, ششخص هو الله في جسد إنسان وهو يتحدانا ويثيرنا:
"إن أراد أحد أن يأـي ورائي فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت 16: 24).
الصليب يظهر في كل شيء تقريباً في عبادتنا وخدماتنا, على المذبح, على لفائف الخدمة, على الكنائس, على الكتب المقدسة, على ملابس الخدمة, وفي أثناء القداس الإلهي فنحن نرشم الصليب مرات لا حصر لها,وفي عبادتنا الخاصة أيضاً نحن نرشم الصليب صباحاً ومساءاً, قبل وبعد صلواتنا, في أوقات التجارب والضيقات, في أثناء الحروب والمخاطر, قبل وبعد الأكل, وقبل أن نؤدي أى عمل خطير أى قبل أن نتكفل أو نتعهد بشيء.
يكتب القديس كيرلس الأورشليمي في القرن الرابع: " ليتنا لا نخجل من أن نعترف بالمسيح المصلوب, إن الصليب هو ختمنا, نرشمه بكل شجاعة وإيمان على جبهتنا وعلى كل شيء, على خبزنا الذي نأكله وعلى الكأس الذي نشربه, نرشمه في ذهابنا وإيابنا, عند نومنا واسيقاظنا, عند أسفارنا ووصولنا وراحتنا".
إنني أتساءل ما إذا كنا قد تفكرنا نحن المسيحيين الأرثوذكس في غنى معنى علامة الصليب الذي نرشمه.
عندما نرشم علامة الصليب فإننا نضم الثلاثة أصابع معاً, الإبهام والسبابة والأوسط التي لليد اليمنى من طرفها, وفي نفس الوقت نحن ننسند الإصبع الرابع والخامس وهما مضمونان معاً على راحة الكف, ثم نلمس الجبهة ثم الصدر ثم الكتف الأيسر ثم الأيمن, وبعد ذلك تعود اليد الى مكانها ونحن نحني. إن الثلاثة أصابع الإبهام والسبابة والأوسط وهى منضمة معاً من أعلى القمة تمثل الثالوث الأقدس, الآب الذي خلقنا, والابن الذي فدانا, والروح القدس الذي يسكن فينا, ثلاثة أقانيم في إله واحد الثالوث القدوس. إن الإصبعين الباقيين وهما منضمان معاً يرمزان الى طبيعتي المسيح: الإلهية والبشرية, كما أن استنادهما على راحة الكف يشيران الى يسوع الذي "اتى من السماء" وصار إنساناً لأجل خلاصنا. لذلك, فنحن عندما نرشم علامة الصليب فنحن نذكر أنفسنا بمن هو الله وماذا فعل لأجلنا.
في كل مرة نحن نرشم أنفسنا بعلامة الصليب نحن نتذكر الثمن الباهظ الذي دفعه لأجل أن يخلصنا.
ولكن من خلال علامة الصليب أيضاً نحن نعبر كذلك عن استجابتنا ورد فعلنا تجاه ذبيحة المسيح, نحن عندما نضع يدنا على جبهتنا, فنحن نعد الله أننا بمعونته سوف نجتهد ونسعى أن نعرفه من كل الفكر, وعندما نضع يدنا على الصدر, فنحن نعده أن يكون جل قصدنا في الحياة أن نحبه من كل القلب, وعندما نضع يدنا على الكتف الأيسر والأيمن فهو تعهدنا أن نخدمه بكل قوتنا, وبهذا فنحن نعطي تعبيراً بالرمز لأعظم وصية في المسيحية: "تحب الرب الهك من كل قلبك ومن كل نفسك ومن كل فكرك ومن كل قدرتك" (مر12 : 30), وفي ختام رشم الصليب نحن ننحني لنعترف أننا وجميع البشر تحت سلطان الله والخضوع له. فعلامة الصليب, كما نعمل نحن المسيحيين الأرثوذكس تعبر عن بعض التعاليم الأساسية والرئيسية لإيماننا الأرثوذكسي, أعني: الثالوث, التجسد, الوصية المسيحية العظمى, وتسليم (الحياة للمسيح). إنها صلاة الجسد مع الروح, إن الإنسان كله يصلي الى الله.


الموت صلباً
بالنسبة للذين كانوا يعيشون في زمن المسيح, كان الصليب أكبر علامة للعار, إنها تشبه الكرسي الكهربائي أو الشنق في هذه الأيام. كان الصلب هو الوسيلة الوحيدة المتاحة لإعدام العبيد وأحط المجرمين, فلم يكن أمراً جائزاً أن يأتي على الفكر في أن يعدم مواطن روماني بالصلب. لقد كان هذا النوع من الموت, الأكثر رعبة في العالم القديم, موت العبيد والمجرمين, هو ذاك الذي كابده يسوع. لقد أخذ يسوع أحط علامة في العالم. لذلك فنحن في هذه الايام, وبسبب المسيح, فإنه يمكننا أن نأخذ أحط الرموز التي في الحياة: الخطيئة, الموت, المعاناة, الألم لنجعل منها علامات عظيمة. وعلى سبيل المثال, فقد كان الموت هو أحط علامة في الحياة قبل مجيء المسيح, الذي بقيامته المجيدة قد حوله الى العلامة العظيمة, الحياة الأبدية.
كانت الخطية أيضاً علامة حقيرة أخرى في الحياة قبل مجيء المسيح, الذي بسبب حبه الصافح, حولها الى العلامة العظيمة التي هى المصالحة مع الله. إن صليب الرب وقيامة المسيح المجيدة قد أثريا الحياة بعلامة جديدة عظيمة.


إن صليب المسيح يبين لنا أيضاً قساوة وعنف وخطورة الخطية. فاتلخطية ليست فقط كسر لوصية إلهية, رغم أنها هكذا فعلاً, ولكنها أكثر من هذا فنحن عندما ننظر الى الصليب والى من هو معلق عليه, نرى جيداً الخطية على حقيقتها, إنها صلب الله, ليس كسر وصية فحسب بل وأيضاً كسر قلب الله.


ماذا يكشف لنا صليب المسيح
صليب المسيح يكشف لنا أيضاً ويستعلن قيمة الإنسان في عيني الله: ماذا يستحق الإنسان؟ ما قيمته؟ لن نستطيع أبداً أن نعرف إجابة لهذا السؤال الى ان ننظر نحو المسيح, ابن الله الذي تجسد وهو معلق على الصليب. عندئذ فقط يمكننا ان نعرف ان الانسان له من الكرامة والاستحقاق والشرف والمقام, ليس فقط لأنه قد خلق على صورة الله, ولكن أيضاً لأن الله قد بذل ابنه الوحيد ليخلصه, هذه هى الضريبة والثمن اللذان دفعهما الله لأجل الإنسان. إن الانسان ثمين ومكرم بقدر ما هو للدم الكريم الذي لابنه.
الصليب أيضاً يمكننا من التطلع داخل قلب الله. عندما ننظر الى موسى والى الوصايا العشر في العهد القديم, فإننا نرى عدالة الله الشديدة, كما لو كان العالم تحت الناموس! ولكن عندما نتطلع من على بعد, من فوق جبل سيناء الى الصليب على جبل الجلجثة, عندئذ سوف ندرك ان الله أبعد جداً من الناموس والوصية والحق والعدالة. إنه الحب والرحمة. إن الصليب يظل النافذة التي من خلالها يمكننا أن نتطلع نحو قلب الله.


ومضة من حب الله اللا متناهي للإنسان
يقص ليزلي وذرهد عن مسافر كان على متن باخرة في ليلة مظلمة في البحر الأبيض المتوسط, وبينما كانت الباخرة تعبر بالقرب من بركان سترومبولي الشهير حدث أن نشط البركان فجأة, وإذ بنيران ملتهبة قد ملأ كل الأفق, ثم بعد وقت طويل عاد الظلام ثانية.
لقد بدا للمشاهد أن سترومبولي يحدثنا عما يحدث باستمرار في مركز الأرض. النيران الهائلة والصخور الذائبة تفور وتنسكب باستمرار. إنه بين الحين والآخر يحدث أن هذه القوة الموجودة هناك تجد لها تصدعاً في باطن الأرض ويحدث كما يظهر في سترومبولي.
نفس الأمر في الصليب, فهو يسمح لنا أن نلحق بومضة فقط من حب الله اللامتناهي للإنسان والذي يغلي ويجيش ويلتهب به قلب الله من جهه الانسان.
إن أروع استجابة منا لحب المسيح على الصليب هو ان نلتقط الصليب ونحمله خلف المسيح لنجعل العمل مطابقاً لما يتطلبه المسيح عندما يقول: "من أراد أن يأتي ورائي, فلينكر نفسه ويحمل صليبه ويتبعني" (مت16: 24)
انظر الى بعض من هؤلاء الذين خلال عقود من القرون حملوا الصليب وتبعوا يسوع:
سمعان القيرواني, الشخص الذي أرغم على حمل صليب الجلجثة عندما وهن يسوع وسقط تحت ثقله.
بطرس ويعقوب ويوحنا, الذين ضربوا لأنهم كانوا يكرزون ببشارة الإنجيل في الأسواق ضد الأوامر المانعة.
بولس الذي اضطهد, وقيدت يداه ورجلاه, وافتري عليه, وأخيراً قتل, لقد حمل الصليب.
شهداء المسيحية المبكرون, وهم يرنمون في حلبات الأسود والنمور, وهم يضاء بأجسادهم في الاحتفالات الرومانية كما لو كانوا مصابيح, هؤلاء حملوا الصليب.
الشاب المسيحي المعاصر, الذي يقف أمام الضغط الهائل من أصدقائه ليشترك فيما يشترك فيه الجماعة المنحلة, ويختار المسيح بدلاً من الجماعة, إنما يحمل الصليب.
هؤلاء هم مسيحيون مصلوبون, يستخدمون الصليب ليس فقط للزينة الخارجية, أو علامة على مذابحهم ولكن إنما يرفعونه ويعلونه أمام الجميع لينظروا من خلاله ويروا محبة الله اللانهائية من نحو الانسان, والتي تضطرم الى الآبد في قلب الله.
ولكن توجد دلالة أعمق لرفع الصليب الى فوق كما نعمل الان, إن هذا يشير اليه السيد المسيح عندما يقول: "كما رفع موسى الحية فى البرية, هكذا ينبغي أن يرفع ابن الانسان لكي لا يهلك كل من لا يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 14, 15). إن يسوع يشير الى الوقت الذي كان فيه بنو إسرائيل في البرية, لقد كانوا متمردين ومتذمرين ومشتكين, وبسبب عدم طاعتهم, فإن الله أرسل عليهم حيات سامة لعقابهم, وكل من تلدغه الحية كان يموت, فذهب الشعب الى موسى معترضين ومتوسلين مساعدته, أما موسى , فكالمعتاد حمل مشاكله الى الله, فقال له الله أن يصنع حية محرقة(سامة) ويضعها على راية وأن يقول للشعب أن ينظروا اليها عندما يلدغون, إن الشفاء سوف يأتيهم عندما ينظرون الى الراية وهذا ما حدث , فإن أولئك الذين نظروا الى الحية النحاسية برئوا, وربما هذا هو السبب الذي لأجله تستخدم الحية كشعار للمهن الطبية.
يقول يسوع: "وكما رفع موسى الحية في البرية, هكذا ينبغي أن يرفع ابن الانسان على الصليب لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو 3: 14, 15).
لذلك ففي كل سنة في اسبوع الآلام, فإن الكنيسة ترفع الصليب في الوسط, إنها ترفعه حتى يمكننا نحن في هذه الأيام أن نجد الشفاء والقوة اللذين نستمدهما من صليب المسيح المرفوع, لأننا نحن أيضاً كم يحدث أننا نصاب ونتلوث ونمرض بسم الخطية والإثم المميت. إن الخلاص لنا نحن أيضاً إنما يكون في نظرة, نظرة إيمان وتوبة وتسليم الحياة للمسيح المصلوب القائم من الأموات.
يقول رئيس الأساقفة وليام تمب في كتابه: "الايمان والفكر الحديث", هذه الكلمات التي ترينا كم يتكلم لنا الله من خلال الصليب, فيقول:
(عندما يقول العقل: "إن الله هو الذي خلق العالم كله, فلذلك هو المسئول عنه, ولذلك كان يلزم ان يكون هو: هو الذي يتألم" , فنجيبه: "حقاً بالطبع, وقد تألم فعلاً, انظر الى الصليب!" وعندما يصيح العقل: "إن الله غير محدود ويفوق الوصف والتصور, وانه من التجديف أن نقول إننا نعرفه, مع انه من المستحيل أن نعرفه" فنجيب: "لا, ليس بالضبط, يكفينا أن نحبه, انظر الى الصليب!".


ماذا يقول لنا الصليب عن الله؟
الصليب ليس فقط حقيقة ولكنه أيضاً نافذة تمكننا أن نرى حقيقة عظيمة. توجد أحداث أخرى في التاريخ أدت خدمة للبشرية كنوافذ. إن عالم الفلك جاليليو رأي ثريا تتمايل في كاتدرائية ومنها أعلن حقيقة حركة الأرض. نيوتن نظر الى تفاحة تسقط من على شجرة ومنها أعلن حقيقة الجاذبية.
الصليب هو النافذة التي من خلالها رأينا الحقيقة العظمى عن محبة الله للإنسان: "هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يو3: 16). لم يعد الله صامتاً, بل أنه أخلى ذاته من مجد الألوهية وتكلم بوضوح وبجلاء. فوق كل شيء هذا حدث على الصليب.
"الله بين محبته (الخصوصية) لنا, لأنه ونحن بعد خطاة مات المسيح لأجلنا" (رو5: 8)
"في هذا هى المحبة, ليس أننا نحن أحببنا الله, بل أنه هو أحبنا وأرسل ابنه كفارة لخطايانا" (1يو 4: 10).
"لكن أحزاننا حملها وأوجاعنا تحملها, ونحن حسبناه مصاباً مضروباً من الله ومذلولاً, وهو مجروح لأجل معاصينا مسحوق لأجل آثامنا" (إش 53: 4, 5).
"لأن ابن الانسان لم يأت ليُخدَم بل ليخدِم وليبذل نفسه فدية عن كثيرين" (مت 20: 28).
"عالمين أنكم افتديتم لا بأشياء تفنى بفضة أو ذهب... بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس" (1بط1: 18, 19)
"الذي لنا فيه الفداء بدمه, غفران الخطايا حسب غنى نعمته" (أف1: 7)
زار كاهن رجلاً يحتضر وهو في لهفة ليسمع أى كلمة تشجعه, فأمسك القس بالصليب أمام عيني الرجل الذي يحتضر وقال: "انظر كيف يحبك الله كثيراً. عندما مات المسيح على الصليب كان يقول لنا: "لا يمكن لأى شيء تعملونه أن يوقفني عن أن أحبكم, قد لا تطيعونني, قد تسحقونني وتضربونني عن أن أحبكم, قد لا تطيعونني, قد تسحقونني وتضربونني وتجلدونني, وقد تقتلونني على الصليب, لكني لن أكف عن حبكم, انظروا كم هى محبتي لكم".كل هذا الذي حدث على الصليب هو نافذة تمكننا أن نرى قلب الله المحب, والمتألم, والمخلص, والفادي. لقد قدم الإنسان- لقرون متواصلة- ذبائح وتقدمات لآلهة كثيرة, أما على الصليب فقد رأينا الذبيحة الوحيدة الحقيقية, الله يقدم نفسه لأجل الإنسان: "ليس لأحد حب أعظم من هذا أن يضع أحد نفسه لأجل أحبائه" (يو 15: 13). هذا هو نوع الحب الذي أحب به الله كل واحد منا".


هل الله يحبني؟
قال الكاهن إن أسعد إنسان عرفته كان شخصاً سقط من علو, فانكسر ظهره, وكان له من العمر 15 عاماً. ظل هذا الإنسان مطروحاً على الفراش لمدة 40 عاماً وهو لا يستطيع أن يتحرك إلا بألم شديد, وربما لم يمر عليه خلال الأربعين سنة هذه, يوم بدون ألم حاد, وسئل يوما: "أما جربك الشيطان أبداً أن تشك في الله وأن تفكر في انه سيد قاس؟ " فأجاب: " آه, نعم, لقد حاول أن يجربني, إنني أجلس هنا وأنظر أصدقاء الدراسة من عشرات السنين وهم يقودون سياراتهم, ويقول لي الشيطان: إن كان الله صالحاً هكذا, فلماذا تركك هنا طوال هذه السنين؟ كان يجب أن تكون رجلاً غنياً, تركب عربة "ليموزين", وعندما أنظر رجلاً كان فتى مثلى وأراه الآن يمشي في كامل صحته, يهمس الشيطان في أذني: إن كان الله يحبك, أما كان يقدر أن يحافظك من كسر رقبتك؟ "
- ولكن ماذا تفعل عندما يجربك الشيطان هكذا؟
- " آه , آخذه الى الجلجثة وأريه المسيح وأشير الى تلك الجراح التي في يديه ورجليه وجنبه وأقول: كيف لا يحبني؟!"


كم لنا من قيمة لدى الله؟
وبالإضافة الى ما يخبرنا به الصليب عن كم يحبنا الله, فإنه يرينا أيضاً كم نحن ذو قيمة لديه. إن مات شخص لأجلك فهذا يعني أنك مهم, ولكن إن كان هذا الشخص لأجلك فهذا يعني أنك مهم جداً. وكما نحكم على صورة أو لوحة فنية ونقيمها بالثمن الذي دفع فيها, هكذا ينبغي أن نقيم أنفسنا بالثمن الذي دفع لأجل خلاصنا. كتب القديس أوسابيوس القيصري منذ زمان: "إن لم تصغ لذاك الذي خلقك, فاسأل ذاك الذي فداك كم تساوي؟ ما الثمن الذي دفعه المسيح لأجلك؟ تأمل في الآمه, كم أسيئت معاملته وسُخِر به, تفكر في عذاباته وفي إكليل الشوك وفي الصليب. إنه لكي يفديك ويخلصك ولكي يشتريك ضحى بحياته, هذا الذي هو ابن الله الأزلي, الإله الحقيقي مثل أبيه. انظر إلى عظمة القمر والنجوم, انظر إلى الأرض وجمالها, ماذا يكون كل ذلك إذا ما قورن بالله؟ بصعوبة نقول ولا ذرة من تراب. فانت إذاً ذو قيمة لا نهائية أكثر من السماء والأرض وكل بهائها. إن معيار قيمتك هو الله الأبدي ذاته, لأنه اشتراك بدمه الخاص.... أنت ذو قيمة تساوي دم ربنا يسوع".