29 يوليو 2011

تجليات الوراق


لا اعتقد أنه هناك حدث شغل الشارع المصرى فى الاسبوع الماضى أكثر من "ظهورات العذراء" فى أحد كنائس منطقة الوراق بمحافظة الجيزة.  وجدت هذا الحدث فرصة رائعة لمعالجة موضوع "المعجزة" تاريخياً.

 
هناك قطاع من المفكرين، من الملحدين، لا يعتقدون فى وجود ما هو "خارق للطبيعة" Supernatural. ببساطة، نظراً لأنهم لا يؤمنون بوجود الله، متمسكين بالطبيعة و المادة فقط naturalism. حادثة الظهور التى نشهدها الآن، هى شىء "خارق للطبيعة". و الشخص الذى ينكر الإعجاز سيرفض حقيقة هذا الظهور تلقائياً، قبل أن ينظر فى الموضوع حتى!
المشكلة الآن هى أن هناك دليل يقول أنه حدث ظهور. لدينا بيانات من شهود عيان، لدينا تقارير اخبارية عن الحدث، لدينا ملفات فيديو صورت الحدث، لدينا شاهد "غير مسيحى" كان هو أول من نظر الحدث. كيف سيستطيع منكر الإعجاز أن يفسر هذه الأدلة؟ ببساطة سيقول: أى شىء إحتمالية حدوثه أكبر جداً من إحتمالية حدوث المعجزة. بكلمات أخرى، أى شىء تستطيع تخيله يمكن أن يتم فى إطار طبيعى هو أقوى إحتمالياً من الإعجاز. 
لكن الذى يرد على هذا المنهج هو أن قوة الإحتمالية تُقاس بمدى قابلية التفسير المطروح للتطبيق على كافة الأدلة المتوفرة. إن أفضل تفسير للدليل هو التفسير الذى يفسر "كل" قطعة من الدليل، ولا يترك قطعة منه. أفضل تفسير هو الذى لا يعتمد فرضيات لا يشهد بها الدليل المتوفر. مثلاً، قد يأتى أحدهم و يقول أن هذا النور الذى ظهر هو مجرد ليزر. حسناً، أين دليل من البيانات المتوفرة؟ نعم، ممكن أن يكون مجرد ضوء ليزر. و لكن هذه الإمكانية لها إطار معين: كل شىء تستطيع تخيله هو ممكن الحدوث! ما دمت تستطيع أن تتخيل أن عصير البرتقال غداً سيكون بطعم المانجو، فإن هذه إمكانية. و لكن ما هى إحتمالية حدوث هذا الأمر؟ هذا الأمر يتم قياسه على الدليل المتوفر، و هو الخبرة الماضية. هل حدث أن فى يوم من الأيام صحوت ووجدت عصير البرتقال أصبح مانجو؟ لا، و لهذا فإن إحتمالية حدوث هذا الأمر ضئيلة جداً.

22 يوليو 2011

هل هو انا يارب؟



        كشف الرب عن سر أليم، اذ قال لهم ان بينهم انسان تعيس لن يكون له نصيب في ملكوت الله، و لن يرى حياة، دم الحمل لن يطهره، و بر المخلص لن يغطيه، بل سيظل كما هو ابنا لابليس، و كان خيرا له لو لم يولد، هذا الفاجر الساقط سوف يرفض الاساس الوحيد للخلاص، و يخون رب المجد، و يلقي بنفسه في لجة الهلاك الابدي، و سيكون مصيره الموت و اللعنة الى الابد.
        لقد كشف الرب لنا امرا مماثلا، فنحن ايضا قد سمعنا من شفتيه انه في كل العصور كثيرون يدعون و قليلون ينتخبون، قليلون من يجدون الطريق الى الحياة، و كثيرون من الذين كان خيرا لهم لو لم يولدوا يسيرون في الطريق المؤدي الى الهلاك. و مثل هؤلاء الذين يستحقون الرثاء يوجدون بوفرة في هذه الايام لان الرب اكد لنا هذا.. فبين الذين يمارسون فريضة العشاء الرباني قد يوجد من هو مندفع بسرعة نحو الهلاك، ففي الاجتماعات التي يبشر فيها بالانجيل يصطاد الشيطان اشخاصا في شبكة الانخداع بانهم متدينون، ومن بين الذين سيسمعون الكلمات "اني لم اعرفكم قط" سيوجد عدد كبير سيبررون انفسهم بالقول "يارب أليس باسمك تنبأنا وباسمك اخرجنا شياطين". فليمتحن كل واحد نفسه فليس الذين يقاومون الرب جهارا، او الذين يقفون في جانب اعداء الرب و مسيحه، هم فقط الذين يسرعون نحو الهلاك. و لكن يوجد اخرون ايضا يمسكون بالكتاب المقدس في ايديهم، و اسم يسوع على شفاههم و لكنهم سيهلكون في النهاية.
و يبدأ التلاميذ في التساؤل الواحد بعد الاخر في حزن و قلق عميق: “هل انا هو يارب؟"
لقد اقترب داود من هذا النور اذ صلى قائلا "اختبرني يارب و اعرف قلبي امتحني و اعرف افكاري"
ليتنا نصغي الى ارميا اذ يحثنا قائلا "لنفحص طرقنا و نمتحنها و نرجع الى الرب".

15 يوليو 2011

بنات اورشليم


غصت الطريق من اورشليم الى جبل الجلجثة بجموع الشعب.


و يعد الشعور الذي ابداه البعض نحو قدوس اسرائيل الذين دفعهم تقديرهم له الى اظهار عواطفهم نحوه، يعد هذا الشعور نبيلا بدرجة ما، و بعض هؤلاء كانوامن الجمع الغفير الذي تبعه و في دائرتنا الخاصة نقابل امثال هؤلاء ممن هم الى جانب من الخلق الطيب، و عندما يظهر المسيح ذاته لهم يعجبون به كمثال فريد لكل عظمة انسانية و كمال اخلاقي. و بالنسبة لهم لا يتأخرون عن الاحتفال بذكرى الام الرب في عاطفة صادقة، و في نفس الوقت يحنقون بافراط على الشعب الشرير الذي صلب البار الوحيد من بين الذين وطأت اقدامهم هذه الارض.

و لكن هل يشتركون معنا في رفع هذه الصلاة"يا حمل الله الذي يرفع خطية العالم، ارحمنا"؟. كلا البتة، انهم لا يفعلون ذلك مطلقا، و هؤلاء القوم المحترمون يسيرون معنا في طريق الكنيسة، و الى حد ما في الطريق الى الجلجثة، و لكن الحقيقة انهم رغم ذلك لا تتوفر فيهم قط المقومات الاولى لحياة نقية حقيقية، و هي القلب التائب و الايمان الحي بالمسيح كوسيط مساو للاب.

و هؤلاء رغم حنقهم على قاتلي يسوع، لكن بغير قصد منهم يشتركون في اصدار الحكم على يسوع بالموت، لانهم برفضهم الاعتراف بالوهيته يعدونه مجدفا يستوجب الموت لانه اعلن بقسم انه بالحق واحد مع الاب، و بينما يلومون الفريسيين لكنهم في الحقيقة يحملون نفس الاحساس من جهته، لانهم بالمثل لا يرغبون ان يعرفوا شيئا عن يسوع الذي يحسبهم خطاة و يدعوهم لنوال خلاصه و التبرير بدمه.

و النساء اللواتي رأيناهن يتبعن المخلص في دموع و نحيب يقدمن مثالا عن الاخلاص الحقيقي لاننا نلمس فيهن اشفاقا و عطفا.. و ماذا نطلبه منهن اكثر من ذلك؟

و الرب لم يفته ان يلتفت اليهن و هن يشاهدن الامه، و لماذا يلتفت اليهن؟ هل ليشكرهن، او ليتشجع عندما يراهن؟ كلا البتة، فالرب يرفض حزن النائحين عليهو يعتبره عملا خاطئا و يعد دموعهن انها بلا جدوى. انه هو الذي استطاع في كل المواقف و تحت وطأة الالام الشديدة ان يظهر هدوءا تاما. لم يتخل لحظة عن اظهار عطفه و عنايته بخراف بيت اسرائيل الضالة، انه الان يقول للنساء الباكيات اللواتي تبعنه "يا بنات اورشليم لا تبكين على بل على انفسكن و اولادكن".

وهذه الكلمات توبخ بالمثل كل الذين ينحصر تعظيمهم للصليب في مجرد اظهار العواطف الطبيعية، الذين اساءهم ان يروا النهاية الاليمة ليسوع البار، و الذين لا يفعلون اكثر من ان يذرفوا الدموع على المخلص اشفاقا، لكن هذه الدموع مصيرها الرفض، لان قلبا غير تائب و برا ذاتيا يختبئان خلف هذه المشاعر الفياضة. يعتبر البعض دموع العطف التي ذرفت من العيون بسبب الام يسوع انها نوع من البر، و يعظمونها كثيرا علامة على نقاوة القلب ، و يجعلون منها اساسا للتعزيةو الرجاء، و لكن هذا خطأ عظيم!و هكذا نسمع الرب يقول "لا تبكين علي" فهو لا يقبل النوح و النحيب لاجله، لانه ليس انسانا منكودا، و هولا يخور تحت بطش سلطان اعظم منه، و لا يجتاز الالم بغير ارادة الله، لانه لو اراد لكان في مقدوره في لحظة ان يقف امامنا بتاج مجد بدلا من الصليب.

ترى ما هي المشاعر التي تجيش في صدرك عندما يضعك ضمن زمرة العشارين و الخطاة، او عندما يلتقي بك و علامات الغضب بادية على وجهه، و انت تسير في طريق ملذاتك الجسدية، او يعلن لك انك ينبغي ان تعيش للهوليس للعالم و انت تسير في طرقه و ليس في طرقك الخاصة، ما هو شعورك في هذه الحالة؟ هل يذوب قلبك بالشكر العميق عند قدمي المخلص ..ان غاية ما يطلب منا ان نبكى على انفسنا و نحكم على ذواتنا و ان ندين انفسنا معترفين اننا مستوجبون الموت الابدى.

لقد سمعت بنات اورشليم هذه الكلمات ليس ليغرقن في لجة اليأس بل على العكس فاننا نلمس فيها المحبة التى تسعى وراء الضالين و تود لو تقودهم الى التوبة في الوقت المناسب. "ابكينعلى انفسكن " في هذا اشارة للمصير الرهيب الذي اراده الجمع الثائر عند جباثا و اشارة ايضا لجريمة اسرائيل الكبرى.

و يستطرد الرب قائلا "لانه هوذا ايام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر و البطون التى لم تلد و الثدى التي لم ترضع". يا له من تصريح! فما كان من قبل يسبب حزنا و الما شديدا و يعد عارا عظيما في اسرائيل سيعتبر عندئذ امتيازا يحسد عليه.

"و حينئذ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا.." و يشير الرب هنا بوضوح الى ما ورد في نبوات اشعياء و هوشع ، و يمتد بصر المخلص الى ما بعد خراب اورشليم المروع ، و يصل الى دينونة اليوم العظيم، فأولئك الذين باصرارهم على عدم الايمان سيجدون انفسهم في وضع يفضلون عليه الفناء و اذ ذاك سيطلبون للصخور ان تسقط عليهم لتدفنهم تحت حطامها .. سيكون الله لهم عدوا و قد عين لهم مصيرا اخر غير الفناء، و عندئذ سيطلبون للجبال ان تسقط عليهم لتخفيهم من امام وجه القاضي الغاضب ، و لكن لا مهرب او مفر لا على الارض و لا تحت الارض يمكن ان تخفيهم من نظرته الفاحصة و هو "الذي عيناه كلهيب نار".

يا لها من عاقبة وخيمة . و الذي يكشف عنها ليس اله قاس يهوى الانتقام و لكنه هو الذي في نفس الوقت الحق و المحبة و ذلك مما يجعل لهذه الكلمات التي يدعونا بها للتوبة القوة و الفاعلية اكثر من اي نداء تردد صداه الارض.

و يختم الرب كلامه لبنات اورشليم بقوله "لانه ان كانوا بالعود الرطب و بها يظهر حامل الصليب العظيم نفسه كالمرآة التي تعكس غضب الله، و من حيث انه هوالبر و الحياة فهو يدعو نفسه "العود الرطب"، المجد و العز له الى الابد.

11 يوليو 2011

هوذا الانسان




اننا نقف الان امام جباثا، و قد انتقل المشهد الى حين الى الفناء الداخلي، و لا يخفى عليكم ما جرى هناك من امور يصفها البشيرون بيد مرتعشة، و يذكرون عملية الجلد باقتضاب، و كما يخيل لي انهم يغطون وجوههم بايديهم من هول المشهد الرهيب، و لكنهم لا يستطيعون ان يخفوا عنا الدموع التي تسيل خفية على وجوههم.
و ينفذ صبر الجماهير المحتشدة خارج الدار، و اذا بالباب يفتح فجأة مرة اخرى و يظهر بيلاطس و على ملامحه علامات التأثر الشديد وخلفه شخص تحيط به قوة من الجند العنفاء. و يا له من منظر يجعلكم ترتجفون و تغطون وجوهكم من هوله. و بينما انتم كذلك اسمحوا لي ان اذكر لكم وصفا مختصرا عنه مستشهدا بما جاء في الكتب المقدسة.
فقد فتحت ابواب السماء اللؤلؤية مرة بقوة، و نزل كائن قدوس من السماء الى هذا العالم، لم تكتحل عيون الانام بمرآه منذ سقوط الانسان، كان في بهاء و مجد يفوق الوصف و قد اتى ليحقق حلم يعقوب عن السلم التي تربط الارض بالسماء، علمه المحبة، و قلبه ينبض بالعطف، و قد تجول اكثر من 3 اعوام بين سكان الارض مشرقا بنور على الذين يتعثرون في الظلمة، مالئا اكواخ المساكين بالبركات الزمنية و الروحية، داعيا المتعبين و الثقيلي الاحمال ان يأتوا اليهم ليعطيهم راحة، مبددا ظلمات وادى الموت بالاف المواعيد كما بانوار باهرة من السماء.
كما اعلن انه ما جاء ليخدم بل ليخدم و ليبذل نفسه فدية عن كثيرين. و شهد عن نفسه انه جاء ليفدي شعبه من خطاياهم وانه لن يتركهم حزاني، بل سيرسل لهم موعد الاب و سيأتي بهم الى الاب و يرفع مقامهم ليكونوا وارثين معه امجاده.
ارفعوا عيونكم و سوف تصيحون: "من هو هذا المتألم" و اسألكم بدوري من تظنون ان يكون؟ دققوا النظر في وجهه ثم قولوا ان كانت القسوة قد اظهرت شناعتها بصورة ابشع مما فعلته في ذلك الشخص؟ لقد جعلوا منه ملكا هزليا، و كأنه لا يستحق ان يعامل كملك حقيقي، فوضعوا عليه طابع الهزء، تأملوا الرداء الساخر الذى على كتفيه، و الصولجان الهزلي الذى في يمينه، ثم تأملوا في رأسه المغطى بالجروح و الدماء و في ذلك الاكليل المرعب الذي يتوج هامته!!
من يكون هذا الانسان الذي تشوهت صورته بهذه البشاعة؟ و اظن انه لن تدوم حيرتكم طويلا، فوداعته كأنه حمل، و خضوعه الذي يمثل به بينكم يعلن عنه بجلاء، و الاكثر من ذلك ان جلاله يكشف عنه رغم الذلة و المهانة التي لقيها، لكن لا تزال العظمة تتجلى في كل هيئته، كما ان محبته الغافرة تشع من عينيه، ومن غيره يستطيع ان يظهر بهذه الوداعة في موقف كهذا؟ اجل انه هو شخص القدوس الذي نزل من السماء و الذي يظهر امامنا الان في هه الصورة من الالم الشديد، و يصيح القاضي الوثني قائلا : هوذا الانسان" في تأثر عميق و قد غلبته الفكرة انه امام شخص سمائي.
و لكن ترى ما هو صدى سؤال الوالي؟
"اصلبه اصلبه" نطق به الجمع بصوت يشبه قصف الرعد.
ترى هل يدري هؤلاء الاشرار ماذا يفعلون ؟ كلا بكل تأكيد لكنهم يريدون ان يحطموا في شخص المسيح المرآة التي تكشف لهم قبحهم، و ان يطفئوا نور العالم كما اشرق في الناصري الذين يبغضونه لانهم يشعرون بحرية في ظلمة الخداع، اكثر مما في نور الحق الساطع، انهم لا يريدون لان يبكت ضمائرهم و لا ان يروا مثالا للفضيلة و لا الى ما ينبههم الى مووتهم الروحي.
ان ظهور من هو "ابرع جمالا من بني البشر" بهذه الصورة اثبت ان فساد طبيعتنا الساقطة له جذوره العميقة، و ان مرضها مستعص و ان ميولها الداخلية ليست سوى عداوة لله القدوس، و في جريمة صلب الرب نطق جنسنا بالحكم على نفسه، و ملأ  مكيال خطيته. ان القدوس الذى كان يحتمل الالم في خضوع و هو في ردائه الارجواني، انما يعلن في صمت انه بدون وساطة و فداء يكون نسل آدم كله معرضا للعنة و الدينونة الرهيبة.
و ما حدث في جباثا لم يكن سوى الثمرة الناضجة للبذرةالتي تنمو جهرا او سرا في كل واحد منا، فطالما لم نختبر الميلاد الثاني بالكلمة و الروح لا يمكننا ان نتصرف ازاء يسوع بطريقة تختلف عما فعله الناس الاشرار عند جباثا، فنحن مثلهم تؤذينا قداسته، و مثلهم نبصق عليه باحتقارنا له. و قولوا لي الا يزال المسيح يرتدي بطرق مختلفة الرداء الاجواني و اكليل الشوك في هذا العالم؟ الا ترونه معرضا لاحتقار الكثيرين و يعامل منهم كمضل لانه يشهد عن عظمته الفائقة؟ السنا نرى العالم الى هذا اليوم يعلن رفضه لاسم يسوع، و ابتسامة السخرية على شفاه الكثيرين عندما يذكر اسمه باحترام و توقير؟!
حقا، ان الخطايا التي ارتكبت ضد يسوع و الدماء تسيل منه لا يمكن ان تعد انها خطايا فردية او عمال شريرة قد صدرت من قلة، لان المنظر الوحشي الذي بدا في جباثا لم ينته بعد، بل لا يزال يتكرر في كل يوم و ان كان بصورة اقل، و اسفاه لقد تحول العالم الى جباثا! و منظر يسوع المتوج باكليل الشوك هناك يوبخنا جميعا بلا استثناء.
ليت الرب يكشف لنا عن هيئته و هو في الامه، لانه في صورته هذه قد اكد الحقيقة العظمى ان حكم الموت قد رفع عنا ليوضع عليه و انتقلت اللعنة من على رؤوسنا لتستقر على رأسه، ليمنح لنا اقترابا من الله و ليجعل لنا طريقا مفتوحا الى عرش النعمة..
ليت هذا الصوت "هوذا الانسان" يتردد دائما في قلوبنا، ولن يوجد في العالم ما يستطيع ان يجعل منظر الامه يختفي من امامنا. ان حكمة الحق كما عبر عنها الرسول بولس تتلخص في: الا نعرف شيئا بين الناس الا و يسوع المسيح و اياه مصلوبا، ان نموت كل يوم عن ذواتنا و عن العالم و نحن نسير في رفقة الفادي الذى مات لاجلنا، لكي نقوم كل يوم معه الى حياة ابدية .
و قد يمضي زمن طويل قبل ان نعود و نسمع الصوت "هوذا الانسان" بصورة اخرى و عندما نرفع عيوننا حينذاك سوف نرى منظرا اخر يختلف تماما عن ذاك الذي رايناه في جباثا، فان ملك المجد سيكون قد ابدل ثوب الهزء بحلة الجلال الالهي البهية، و اكليل الشوك بتاج المجد، و القصبة بصولجان السبادة فوق كل خليقة، و لكنه عندئ سيسبغ علينا الامتياز الاخير تفضلا منه كانعام خاص "تعالوا الي يا مباركي ابي رثو الملك المعد لكم "، بينما تنبعث من داخل المدينة السماوية الالحان الشجية، و تردد قلوبنا صدى الصوت بهذا الهتاف المجيد "مستحق هو الخروف المذبوح ان يأخذ القدرة و الغنى و الحكمة ز القوة و الكرامة و المجد و البركة".

يسوع ام باراباس



هذان هما الشخصان اللذان قدما للشعب ليختار منهما واحدا في العيد أحدهما قاتل للناس والثاني رئيس وواهب الحياة، الأول شرير ألقي القبض عليه وهو يسفك الدماء في ثوره دموية، ولكن باراباس لا يقدم لنا كمجرد فرد، لكنه يمثل في نفس الوقت الجنس البشري في حالته الطبيعية، ساقط من الله في عصيانه ضد جلال الله، يرسف في قيود لعنة الناموس، محفوظ ليوم الدينونة الرهيب، ورغم ذلك ما اكثر ما نجد الانسان يمجد نفسه باضخم ألالقاب، بينما لا يحمل في نفسه أي سمو حقيقى، ويفخر بالمراتب الشرفية بغير جدارة و استحقاق.
قبل أن يعرض باراباس مع يسوع لاختيار الشعب، كان قد انقطع امل باراباس في النجاة من المصير المحتوم الذي ينتظره. و هذه هي حالتنا، لم يكن هناك اي امل في نجاتنا، ولا للخلاص من الجب حيث كان مغلقا علينا. ولم يكن هناك اي امل في حكم رحيم افضل من مصير هذا القاتل، وصدقونى إن حالتنا لم تكن أخف وطأة من حالته، لإنه ماذا كان يمكننا ان نقدم لفداء نفوسنا؟ وكيف الهروب من رقابة العينين اللتين تجولان في كل الارض؟ و كيف يبرئ قاض ساحتنا بدون قيد او شرط، وهو الذي قيل فيه "العدل والحق هما قاعدة كرسيه"؟. إن حالة باراباس كانت يائسة، ولكن ماذا حدث؟ بغير إن يتدخل، و على عكس ما كان يتوقع، اشرق فجأة نور الحرية فاضاء ظلمة السجن، وتردد من جباثا صدى سؤال الوالي الذى  قدمه للشعب: "من تريدون ان اطلق لكم؟ باراباس أم يسوع الذي يدعى المسيح".
ما أخطرها من لحظة! وما اروعه من تغيير في مجرى الأمور! لقد علم باراباس انه هالك، لا محالة، ولكن الفرصة الآن بين الاثنين باراباس و يسوع، واصبحت نجاة الأول على الأقل ممكنا حدوثها، وكيف يكون ذلك ؟  ليس لشيء سوى لان هذا القاتل والمجرم العاتي قد قدم لاختيار الشعب على قدم المساواة مع يسوع الرب من السماء، و ستقع القرعة على واحد من الاثنين ليطلق سراحه بينما يرسل الآخر إلى حيث ينفذ فيه حكم الموت،  ولا يمكن أن تكون الفرصة لطلب إطلاق سراح الاثنين، وإنما أي الاثنين سيقع عليه الاختيار وايهما سيرفض؟ فان اطلق سراح يسوع الذي من ألناصرة فسيهلك بارباس حتما، ولكن ان رفض الأول فلك أن تتهلل يا باراباس، لقد نجوت من الموت! ان سحق يسوع فيه فداءك ومن موته تنبعث حياتك.
وأنتم تعرفون النتيجة مقدما .. لقد علا زئير الجمع "اطلق باراباس، و اصلب يسوع". و مهما ظهر من الشر في هذا القرار، لكنه أيضا بهذه الصورة لا يزال متفقا مع خطة الله وتدبيره لخلاص الإنسان، لأنهم لو كانوا قد طلبوا اطلاق سراح يسوع، وان ينفذ حكم الموت في باراباس كما كان يرغب بيلاطس، لكان في هذا الطلب إعلان نهاية الجنس البشري وانذار بهلاكنا الى الابد.
وتأملوا الآن في نتيجة هذا القرار لقد تبادل باراباس ويسوع موضعيهما فنقلت كل قيود القاتل ولعنته و عاره والام  الموت لتوضع على يسوع البار، بينما أصبحت الحرية والبراءة والأمان و الكرامه التي للناصري من نصيب القاتل، ونال باراباس كل الحقوق والامتيازات التي ليسوع المسيح، ليعاني الأخير المرارة و أهوال ألموت و الامه. لقد حل كلا منهما محل الآخر وآلت له مقتنياته فاصبحت اثام المذنب وصليبه من نصيب البار القدوس، وتحولت كل الحقوق الأدبية التي ليسوع لتكون للمذنب.
أنكم الان تدركون معاني المشهد المثير الذي كان موضوع تأملاتنا و نستطيع ان نجد مفتاح السر في هذه الكلمات "لان الله جعل الذي لم يعرف خطية خطية لاجلنا لنصير نحن بر الله فيه". انها تضئ لنا سر تبريرنا امام الله بواسطة نيابة يسوع عنا، و في خلاص باراباس نرى صورة خلاصنا و لو تركنا لانفسنا لكان مصيرنا الهلاك الابدي، و لكن عندما تبادلنا المواضع مع يسوع صار لنا الفداء.
و انتم ايضا تمتلكون كل هذه الامتيازات في المسيح بل وبصورة امجد و اكمل واذ صار هو المجرمعوضا عنكم حسبتم انتم ابرارا من اجله و اذ قد رفض بدلا منكم فتح لكم الطريق الى الله و اذ قد حمل عنكم اللعنة صرتم وارثين لبركته و اذ نال عقابكم اصبح لكم ان تشاركوه افراحه، فكم ينبغي عليكم اذا ان ترتفعوا بالايمان الى المكان البهيج المعين لكم لتختبروا عمق ما قاله بولس الرسول في جراءة "من سيشتكي على مختاري الله، الله هو الذي يبرر، من هو الذي يدين، المسيح هو الذى مات بل بالحرى قام ايضا، الذى هو ايضا عن يمين الله، الذى يشفع فينا"(رو8: 33).

7 يوليو 2011

ميمر الفردوس لمارافرام السرياني

  • طوبى لمن اشتهى الفردوس .. الفردوس يستقبل البار، و من بابه يدخله، و في حضنه يهدهده ..
     
  • مبارك من طعن في جنبه بالحربة ليرد سيف الكاروب عن بابه
    • اقبل الى الفردوس فان الباب مفتوح يتألق و يضحك لك.. يقيس الباب الداخلين فيه، فيصغر و يكبر لكل انسان على قدر قامته و مقامه، و يريه بمقاييسه اكامل هو ام ناقص..
    • رايت خارج الفردوس شجرات التين . كأن اوراقهن تعلوهن الخجل .. فليستر بهن من اضاع ملابسه (ابونا آدم) و لما كسونه اخجلنه و سحقن لبه لان العري في ذلك الموضع النقي لعار على العريان..
    • من له بأن يتوسم مفاتن الفردوس، البديع النظم، الرحب للسكن. المنير في اجزائه .. ينابيعه المعطرة بطيوبه تنتهي الينا.

6 يوليو 2011

الاب لعازر The Last Anchorite


اتركك يا عزيزي مع هذا الفيديوالقصير الذى اعده صحفي من البي بي سي في حواره مع هذا الاب القديس و رفعه على موقع اليوتوب تحت اسم The Last Anchorite
قصته قصة عجيبة كيف تحول هذا الشخص من الالحاد الى الايمان ثم الرهبنة والسياحة .. هو استاذ محاضر فى احدى جامعات استراليا. امن بالمسيح واحب الرهبنة القبطية فجاء الى مصر وسيم علي يد قداسة البابا شنودة باسم لعازر..و سكن في مغارة بجوار مغارة الانبا انطونيوس التي تعلو عدة كيلومترات عن سطح الارض.

القصة بالتفصيل:

تحدي الاعاقة

I have the choice to be angry at God for what I don't have, or be thankful for what I have. Nick Vujicic
 كان لدى الاختيار بين امرين: اما ان اكون غاضبا من الله بسبب ما لم يمنحنى اياه و اما ان اكون شاكرا لما اعطاه لي.
 -----------
فى شهر اكتوبر2008 ، زار مصر لأول مرة الشاب الأمريكى ( الأسترالى الأصل ) المعاق   نيك نيكولاس فوجيسيك  .. كانت زيارة ناجحة و مبهرة له  و لمن التقى بهم ، فقد انبهر نيك بالشعب المصرى و بترحابه الشديد له ، أيضا كان انبهار و إعجاب الشعب المصرى به ، مع كل من التقى بهم من مسؤولين و عامة الشعب ، كانت رسالته القوية انه  بالإرادة يستطيع الإنسان أن يتحدى الإعاقة ،، فبالرغم  من عدم وجود أطراف له  إلا انه يعيش حياة طبيعية عمره 25 عاما .. تفوق فى دراسته وعمله ، يمارس السباحة ولعب الكرة ،  نال إعجاب كل من حوله ، لم ييأس  و لم يفكر بالفشل  بل حول محنته الى نجاح ابهر به العالم ، أيضا  نيك  له نشاط  متميز لمساعدة و مساندة المعاقين فى العالم من خلال جولاته المتعددة و لقاءاته بذوى الاحتياجات الخاصة لحثهم  على الاندماج فى المجتمع و تحدى الإعاقة . نيك لم ينس مصر ، لقد قرر  بعد جولة له فى الشرق الاقصى ان يزور مصر مرة أخرى فى طريق عودته لأمريكا ، لقد شجعته أمه المصرية كما يسميها السيدة/ ايفيت البياضى ، على اللقاء فى مصر و هو يتعاون مع مؤسسة جونى آند فرندز "Joni and friends "    
  • نيقولاس في برنامج صباح الخير يا مصر:


5 يوليو 2011

نظرة على كتاب اعترافات القديس اغسطينوس

إقام القديس في قرطجنة عندما بلغ السابعة عشرة من عمره وظل فيها حتى التاسعة عشرة .
مصادر ارتباكاته في هذه الفترة : -
أولا - حب المناظرات .
ثانياً - التقدم في الدراسات الفلسفية ومحبة الحكمة .
ثالثاً - عدم التلذذ بالكتاب المقدس .
رابعا - الضلال مع المانويين ودحض بعض عقائدهم .
و لو حللنا هذه الاربعة امور لوجدنا انها تتعلق كلها بالبحث عن المعرفة و لكنها من المصدر الخاطئ.. و هي مشكلة قديمة من ايام ابينا ادم الذى اشتهى ان يصير "عارفا الخير و الشر".
لقد سجل القديس اعترافاته في كتاب تقرأه كل الاجيال و لا يخاطب الكتاب القارئ انسان ايا من كان و لكنها كلمات اعتراف تخرج من فم قديس جاث فى محضر الله يعدد فيها تفاصيل حياته منذ لحظة ميلاده.. ولا يعترف فقط بذنوبه و لكنه ايضا يعترف بنعم الله. اسمعه و هو يقول مثلا عن دور الرضاعة:
"لست أذكر ، ولكني سمعت من والديً اللذين صورتني من جسديهما في وقت من الأوقات ! لقد سمعت أنك أعطيتني لبن المرأة غذاء أنعم به ، أن أمي ومربياتي لم يكنزن أثدائهن باللبن لأجلي ولكنك أنت - تبعا لشريعتك التي قسمت بها ثرواتك في الينابيع الخفية لكل الأشياء - قد وهبت ليً طعام الطفولة بواسطتهن كما وهبتني أن لا اشتهي أكثر مما أعطيته لهن ! لقد كانت مربياتي بعاطفة علوية تلقينها من السماء يعطينني عن طيب خاطر ما فاض عليهن مما أعطيته لهن ، وفائدتي منهن كانت حسنة لهن وإن لم تكن في الواقع منهن بل بواسطتهن ! لأن كل الأشياء الحسنة هي منك يا الله .."
لا يخلوالكتاب ايضا من المناجاة لله من اول صفحة فيه و حتى الخاتمة . اتركك ايها القارئ مع مشاعر نفس مرهفة.. فمثلا في بداية اعترافه يسبح الله فيقول:
عظيم أنت يا رب وأعظم من أن تٌسبح
عظيمة هي قوتك أما حكمتك فإنها تفوق كل وصف .
* * *
ربي ، إنك جدير بأن يسبحك الإنسان ، الإنسان الذي ليس إلا ذرة من خليقتك الإنسان الذي يقاسي موته ، ذلك الموت الشاهد علي خطيته وإثمه ، ومع ذلك فهل هو يسبحك ؟
* * *
ليتك توقظنا لنبتهج في تسبيحك . لانك صنعتنا لك وسيظل قلبنا مضطرباً إلي أن يهجع فيك !
* * *
هَب لي يا رب أن أعلم وأفهم أيهما يكون أولا أأدعوك أم أسبحك ؟ وأيضاً أأدعوك أولا أم أعرفك ؟ إذ من ذا الذي يقدر أن يدعوك وهو لا يعرفك ، لأن الذي لا يعرفك قد يدعو سواك قاصداً بهذا أن يدعوك أنت !
* * *
ونحن الذين ندعوك هل نعرفك ؟ !
ولكن كيف يدعون الذي لا يؤمنون به ؟ وكيف يؤمنون بلا كارز ؟ إن الذين يطلبون الرب يجدونه والذين يجدونه يسبحونه .