امامنا
الآن منظر وداع مشحون بالكآبة و الحزن لم ير العالم نظيره فيه يفترق يسوع عن تلميذه
يهوذا الى الابد.
وقبل ان نرى في قبلة الخائن ثمرة فساده الداخلى
، دعنا اولا نلقي نظرة على النبوات التي تتحدث عنه "رجل سلامتي الذي وثقت به
، اكل خبزي رفع على عقبه"(مز41) . "لتكن ايامه قليلة ووظيفته ليأخذها آخر
. احب اللعنة فأتته و لم يسر بالبركة فتباعدت عنه. و لبس اللعنة مثل ثوبه فدخلت
كمياه فى حشاه، و كزيت في عظامه"(مز69). و في (مزمو69) "لتصر داره خرابا
و في خيامه لا يكن ساكن".
انه الآن يقترب من الرب تحت ستار الصداقة
الوثيقة، و يرحب به بعبارة "السلام يا سيدي". و يتجاسر ان يلوث وجه ابن
الانسان بقبلته الخائنة كأفعى سام تنبعث من شجرة الورد.
آه ، ليت قبلة الخائن كانت هى الاخيرة من نوعها
! لكن يسوع لا يزال حتى اليوم يقاسي من مثيلاتها، فالاعتراف به بالفم بينما ينكره
سلوكنا ليس سوى قبلة يهوذا.
و يصيح الخائن "السلام يا سيدي" كانت هذه
الكلمات كطعنة خنجر مسمم في قلب القدوس، و بكل هدوء تقبلها و لا يرفض القبلة
الخبيثة ذاتها. انه يعرف ان هذا الكدر قطرة مما مزج له في كأسه التي تعينت له
بارادة الآب،
وان وراء هذا التصرف الاحمق الممقوت تختفي المشورة الازلية. و هنا نجد شهادة عن
طول اناة الرب يسوع، لان الخائن ما كان يختار هذه العلامة وسيلة لتسليم سيده لولا
علمه بطول اناة السيد التي لا تحد.
يجيبه الرب في حزن و اشفاق "يا صاحب لماذا
جئت؟". من يتصور مثل هذه الرقة في مثل هذا الظرف؟ في نظر الكثيرين انه كان الأنسب
ان يقول له "اذهب عني يا شيطان" لكننا نسمع صوتا كنبرات صوت اب عطوف
اراد ان يرد نفس الابن السائر في طريق الغواية.
"يا صاحب لماذا جئت؟". ان هذ السؤال
المرعب كقصف الرعد يهز قلب الخائن، و ينبه الضمير لحظة من سباته العميق، ويحس الخائن بنفسه محمولا كما بيد قوية ليقف
امام دينونة الله. و لكن يهوذا يقاوم ضميره بعنف و يخمد الصوت المبكت في الداخل، و
يفلح في اجباره على السكوت و البلادة و فقدان الشعور. و هكذا نجد ان الرب لم يترك
وسيلة، بل سمح بقرعة اخيرة على باب قلبه لم تفلح، تكون نذيرا برفض الخائن الى
الابد. عندئذ يناديه الرب باسمه "يا يهوذا"، و كأنه لا يزال يريد ان
يتأكد من صحة الامر "ابقبلة تسلم ابن الانسان؟"
كان هذا الوداع الاخير للمرتد التعس، ويل لهذا
الشقي البائس! لقد انتصرت عليه قوات الجحيم و تخلت السماء عنه، و ظل رعد هذا
السؤال يدوى في رأس يهوذا.
ان الجرثومة التي عملت في يهوذا توجد في كل واحد
منا، و قد تنمو و تتكاثر قبل ان ننتبه لها، ان كنا لا نضع انفسنا في وقت مبكر تحت
حماية النعمة الالهية، فان الشيطان لا يكف عن ان "يجول ملتمسا من
يبتلعه". ليتنا نسرع لاجل خلاص انفسنا و نحصن قلوبنا كمدينة تحاصرها الاعداء.
لكننا ينبغي ان نطلب الحمى حيث لا يمكن ان نجده
في مكان آخر، تحت اجنحة المسيح، انه هو صخرنا و حصننا، ملجأنا و قوتنا، و عوننا
السريع في وقت الشدة.