15 يوليو 2011

بنات اورشليم


غصت الطريق من اورشليم الى جبل الجلجثة بجموع الشعب.


و يعد الشعور الذي ابداه البعض نحو قدوس اسرائيل الذين دفعهم تقديرهم له الى اظهار عواطفهم نحوه، يعد هذا الشعور نبيلا بدرجة ما، و بعض هؤلاء كانوامن الجمع الغفير الذي تبعه و في دائرتنا الخاصة نقابل امثال هؤلاء ممن هم الى جانب من الخلق الطيب، و عندما يظهر المسيح ذاته لهم يعجبون به كمثال فريد لكل عظمة انسانية و كمال اخلاقي. و بالنسبة لهم لا يتأخرون عن الاحتفال بذكرى الام الرب في عاطفة صادقة، و في نفس الوقت يحنقون بافراط على الشعب الشرير الذي صلب البار الوحيد من بين الذين وطأت اقدامهم هذه الارض.

و لكن هل يشتركون معنا في رفع هذه الصلاة"يا حمل الله الذي يرفع خطية العالم، ارحمنا"؟. كلا البتة، انهم لا يفعلون ذلك مطلقا، و هؤلاء القوم المحترمون يسيرون معنا في طريق الكنيسة، و الى حد ما في الطريق الى الجلجثة، و لكن الحقيقة انهم رغم ذلك لا تتوفر فيهم قط المقومات الاولى لحياة نقية حقيقية، و هي القلب التائب و الايمان الحي بالمسيح كوسيط مساو للاب.

و هؤلاء رغم حنقهم على قاتلي يسوع، لكن بغير قصد منهم يشتركون في اصدار الحكم على يسوع بالموت، لانهم برفضهم الاعتراف بالوهيته يعدونه مجدفا يستوجب الموت لانه اعلن بقسم انه بالحق واحد مع الاب، و بينما يلومون الفريسيين لكنهم في الحقيقة يحملون نفس الاحساس من جهته، لانهم بالمثل لا يرغبون ان يعرفوا شيئا عن يسوع الذي يحسبهم خطاة و يدعوهم لنوال خلاصه و التبرير بدمه.

و النساء اللواتي رأيناهن يتبعن المخلص في دموع و نحيب يقدمن مثالا عن الاخلاص الحقيقي لاننا نلمس فيهن اشفاقا و عطفا.. و ماذا نطلبه منهن اكثر من ذلك؟

و الرب لم يفته ان يلتفت اليهن و هن يشاهدن الامه، و لماذا يلتفت اليهن؟ هل ليشكرهن، او ليتشجع عندما يراهن؟ كلا البتة، فالرب يرفض حزن النائحين عليهو يعتبره عملا خاطئا و يعد دموعهن انها بلا جدوى. انه هو الذي استطاع في كل المواقف و تحت وطأة الالام الشديدة ان يظهر هدوءا تاما. لم يتخل لحظة عن اظهار عطفه و عنايته بخراف بيت اسرائيل الضالة، انه الان يقول للنساء الباكيات اللواتي تبعنه "يا بنات اورشليم لا تبكين على بل على انفسكن و اولادكن".

وهذه الكلمات توبخ بالمثل كل الذين ينحصر تعظيمهم للصليب في مجرد اظهار العواطف الطبيعية، الذين اساءهم ان يروا النهاية الاليمة ليسوع البار، و الذين لا يفعلون اكثر من ان يذرفوا الدموع على المخلص اشفاقا، لكن هذه الدموع مصيرها الرفض، لان قلبا غير تائب و برا ذاتيا يختبئان خلف هذه المشاعر الفياضة. يعتبر البعض دموع العطف التي ذرفت من العيون بسبب الام يسوع انها نوع من البر، و يعظمونها كثيرا علامة على نقاوة القلب ، و يجعلون منها اساسا للتعزيةو الرجاء، و لكن هذا خطأ عظيم!و هكذا نسمع الرب يقول "لا تبكين علي" فهو لا يقبل النوح و النحيب لاجله، لانه ليس انسانا منكودا، و هولا يخور تحت بطش سلطان اعظم منه، و لا يجتاز الالم بغير ارادة الله، لانه لو اراد لكان في مقدوره في لحظة ان يقف امامنا بتاج مجد بدلا من الصليب.

ترى ما هي المشاعر التي تجيش في صدرك عندما يضعك ضمن زمرة العشارين و الخطاة، او عندما يلتقي بك و علامات الغضب بادية على وجهه، و انت تسير في طريق ملذاتك الجسدية، او يعلن لك انك ينبغي ان تعيش للهوليس للعالم و انت تسير في طرقه و ليس في طرقك الخاصة، ما هو شعورك في هذه الحالة؟ هل يذوب قلبك بالشكر العميق عند قدمي المخلص ..ان غاية ما يطلب منا ان نبكى على انفسنا و نحكم على ذواتنا و ان ندين انفسنا معترفين اننا مستوجبون الموت الابدى.

لقد سمعت بنات اورشليم هذه الكلمات ليس ليغرقن في لجة اليأس بل على العكس فاننا نلمس فيها المحبة التى تسعى وراء الضالين و تود لو تقودهم الى التوبة في الوقت المناسب. "ابكينعلى انفسكن " في هذا اشارة للمصير الرهيب الذي اراده الجمع الثائر عند جباثا و اشارة ايضا لجريمة اسرائيل الكبرى.

و يستطرد الرب قائلا "لانه هوذا ايام تأتي يقولون فيها طوبى للعواقر و البطون التى لم تلد و الثدى التي لم ترضع". يا له من تصريح! فما كان من قبل يسبب حزنا و الما شديدا و يعد عارا عظيما في اسرائيل سيعتبر عندئذ امتيازا يحسد عليه.

"و حينئذ يبتدئون يقولون للجبال اسقطي علينا.." و يشير الرب هنا بوضوح الى ما ورد في نبوات اشعياء و هوشع ، و يمتد بصر المخلص الى ما بعد خراب اورشليم المروع ، و يصل الى دينونة اليوم العظيم، فأولئك الذين باصرارهم على عدم الايمان سيجدون انفسهم في وضع يفضلون عليه الفناء و اذ ذاك سيطلبون للصخور ان تسقط عليهم لتدفنهم تحت حطامها .. سيكون الله لهم عدوا و قد عين لهم مصيرا اخر غير الفناء، و عندئذ سيطلبون للجبال ان تسقط عليهم لتخفيهم من امام وجه القاضي الغاضب ، و لكن لا مهرب او مفر لا على الارض و لا تحت الارض يمكن ان تخفيهم من نظرته الفاحصة و هو "الذي عيناه كلهيب نار".

يا لها من عاقبة وخيمة . و الذي يكشف عنها ليس اله قاس يهوى الانتقام و لكنه هو الذي في نفس الوقت الحق و المحبة و ذلك مما يجعل لهذه الكلمات التي يدعونا بها للتوبة القوة و الفاعلية اكثر من اي نداء تردد صداه الارض.

و يختم الرب كلامه لبنات اورشليم بقوله "لانه ان كانوا بالعود الرطب و بها يظهر حامل الصليب العظيم نفسه كالمرآة التي تعكس غضب الله، و من حيث انه هوالبر و الحياة فهو يدعو نفسه "العود الرطب"، المجد و العز له الى الابد.