1 نوفمبر 2012

في الطريق الى جثسيماني

لقد فرغ الرب من تقديم عشائه المقدس الى التلاميذ، ثم رنم مع تلاميذه في سكون الليل تسبحة الشكر التي تتألف من المزامير (115- 118)، كما جرت العادة في اعياد الفصح، و هذه هي المرة الاولى التي نرى فيها السيد يرنم . لقد قدس الرب الموسيقى في الكنيسة، فالترنيم هو عطية السماء الثمينة للارض، هو لغة الوجدان و نفحات النفس التي تشعر بالسرور و السعادة. انه كنسمات الربيع عندما تهب على السهول الثلجية فتجعل القلوب الصخرية تذوب كالشمع و تحولها الى بقعة خصبة صالحة لنمو بذرة الحياة.
وبعد ان سبحوا "خرجوا الى جبل الزيتون" و يسير المخلص في سكون الليل و ظلامه يرافقه التلاميذ في تأثر عميق بما جرى في العلية ، و لكن في نفس الوقت كانوا في غاية الابتهاج بكلمات النعمة التي فاه بها السيد و المعلم السماوي . و عندئذ قطع الرب حبل الصمت العميق و قال لتلاميذه "كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة لانه مكتوب اضرب الراعي فتتشتت الرعية"، و في هذه الكلمات يوضح الرب وجهة النظر التي استوحى منها الامه التي كان مقبلا عليه.
كانت ترتسم امامه بوضوح نهاية الامه و غايتها "استيقظ يا سيف على راعيّ و على رجل رفقتي يقول الرب ، اضرب الراعي فتتبدد الغنم و ارد يدي على الصغار"(زك13: 7).
ان الرب كان يعلم جيدا ان الامه ستثير الافكار، و اذ ذاك قال "كلكم تشكون فيّ في هذه الليلة". يخطئ الفكر و يعجز عن ادراك الامور الالهية الى ان يحصل القلب على البصيرة الحية كأمر لازم لا غنى عنه، ينبغي اولا ان نشتهي الخلاص، كما فعل زكا و اللص على الصليب، و عندئذ ترن هذه الكلمات في اذنيك بنغمة جديدة "اني اضرب الراعي".
و يخبرهم الرب ان الكتب المقدسة و من وراءها مشورة الله سوف تتم من جهة الآمه، و يا لها من دعامة قوية سند الرب بها تلاميذه لايام الحزن، و بها حفظ ايمانهم من ان يتحطم تماما، اخبرهم انه على الرغم من ان غنم القطيع سيتشتت لكنهم سيظلون كما هم قطيعه، و لن يتركهم بسبب عدم امانتهم، و اعلن لهم انه عندما يخرج ظافرا من الآمه، فانه سيعود و يجمعهم حوله في سلام و فرح. آه، كم نكون في امان عندما نستودع نفوسنا لعنايته الفائقة؟ قد يحدث احيانا ان يساورنا الشك ، فنفترق عنه الى حين لنتبع طرقنا الخاصة ، و لكنه لا يتركنا طويلا شاردين بل يعود فيطلبنا لان كلامه يبقى كما هو لكل غنم قطيعه "لن تهلك الى الابد و لا يستطيع احد ان يخطفها من يدي".
و يقول الرب "ولكن بعد قيامي" انه يتطلع بثقة و ابتهاج الى المستقبل القريب، ليرى عبر بحر الامه الخضم النصر الذي سيحرزه سريعا.
"ولكن بعد قيامي اسبقكم الى الجليل" فالجليل اذا هو مكان الالتقاء حين يعود يجتمع بهم، و هناك لن تكون له بعد كأس الالم يتجرعها، و لا اتباعه يشكون فيه، و هو ليس بعد رجل الالام و انما سيكون متسربلا بالبهاء، فيقابل اتباعه المحبوبين و يحييهم تحية السلام.
"ساسبقكم الى الجليل" حتى نحن لنا شئ في هذه الكلمات ان كنا نستطيع ان نقرأ بين السطور "بعد قيامي"، بلا شك ان هذه القيامة ننتظرها لا تتأخر، فسيأتي الوقت عندما عندما يرفع ملكوته من الارض و يستعلن ذاك الذي على رأسه تيجان كثيرة، بعد ان اكتنفه الحزن طويلا، فبعد ان يضع اعداءه موطئا لقدميه، و يجمع مختاريه من الرياح الاربعة ، ويقيد الشيطان و يغلق عليه في الهاوية ، فعندئذ نمضي نحن الى جليل السلام و الفرح حيث نعاين وجها لوجه ذاك الذي و ان كنا لا نراه الان لكننا نحبه، و سوف نقابله بترانيم الابتهاج.
و على الرغم من اننا نشاهد لمحات من هذا المجد و نحن على الارض ، لكننا ننتظر جليلا آخر حيث سبقنا هو اليه، و الذي قد يكون اقرب الينا من الاول، اعني به ذلك الجليل الذي على شواطئه يلقي كثيرون من السياح المتعبون مراسيهم. و هناك يمسح يسوع آخر دمعة من عيون المسافرين الذين يحطون رحالهم هناك حيث يشيدون بترنيمة "الحمل المذبوح" على الدوام و يبتهجون بالدم الذي فيه قد اغتسلت ثيابهم و تبيضت.
ايه ايها الجليل الذي فوق السحاب حيث في ربوعك يتم اتحاد كامل بيسوع موضوع محبتنا. و كم يجعلنا التفكير فيك سعداء مبتهجين و نحن نعبر في سياحتنا وادي الدموع! ايها الجليل الرابض فوق السحاب طوبى لمن سبقه يسوع ليعد له مكانا في اوديتك الدائمة الاخضرار. و فوق روابيك التي لا تنحسر عنها الشمس.
و قد تقول : طوبى حقا. فقط لو كنا واثقين من اننا سنرسو هناك اخيرا. ان كنت لست واثقا بعد فلا تتوانى عن طلب التأكيد من الرب، ففي كل زمان و مكان يميل اذنيه اليك حيث يسبقك الى هناك ليتقابل معك و يباركك. ان كلمته تعلن لك اننك ستراه وجها لوجه و هو يريد الان ان يمتعك بباكورة من المجد العتيد، اقترب منه اذا و اقبل من ملئه نعمة فوق نعمة، تأكد و ابتهج بحضوره و ثق في رغبته ان يأخذك اخيرا الى بيته الابدي حيث ملء الفرح الى ابد الابدين.