لقد كان شعارها الدائم قول الربّ يسوع:
"إن لم تعودوا كالأطفال لن تدخلوا ملكوت السماوات" (متى18/3).
فعاشت الطفولة الروحية وشهدت لها، لذلك كانت تقول:
"سوف أبقى أبداً طفلةً ابنة سنتين أمامه تعالى كي يضاعف اهتمامه بي..فالطفل يرتضي بصغره وضعفه ويقبل أن يكون بحاجة إلى المعونة..
سأتوكَّل على الله أبي في كلِّ شيء وأطلب إليه كلَّ شيء وأرجو منه كلَّ شيء.
سأترك له الماضي مع ما فيه من المتاعب والمآثم ليغفرها..
وسأقبل الحاضر والمستقبل منه مسبقاً كما تشاء يده الحنون أن تنسجها لي..
إنَّ كلَّ شيء يؤول في النهاية إلى خلاصي وسعادتي ومجده تعالى..
الله يعلم كلَّ شيء، وهو قادرٌ على كلِّ شيء.. ويُحبني..
سوف أبقى أبداً طفلةً أمامه وأحاول دوماً أن أرتفع إليه بالرغم من ضعفي ووهني..
الطفل الصغير يستطيع المرور بكلِّ مكان لصغره..
كم أتوق إلى السماء، حيث نحبُّ يسوع دون تحفظ أو حدود..
في قلب يسوع سأكون دوماً سعيدة..
الشيء الوحيد الذي أرغب في أن تطلبه نفسي هو نعمة حبِّ يسوع
وأن أجعل، قدر إمكاني، كلَّ إنسان يحبه..
إن أصغر لحظة حب خالص، لأكثر فائدة لها،
من جميع ما عداها من نشاطات مجتمعة.."
طريق قصيرة الى السماء:"لابدَّ لي من أن أقبل واقعي كما هو، بكلِّ ما فيه من نواقص.
إني أريد أن أذهب إلى السماء، سالكةً طريقاً مستقيمة وقصيرة المدى، طريقاً صغيرة وجديدة.
فنحن في عصر الاختراعات،
ولم يَعُد ضرورياً أن نتسلَّق الدَرَج درجة درجة.. هناك المِصعَد!..
أنا أريد أن أجد مصعداً يرفعني إلى يسوع،
فأنا أصغر من أن أتسلَّق سلّم الكمال، وهي سلّم شاقة".
و ها هي بعض من ذخائر خواطرها النفيسة بما تحمل من روائع روحية، لأبد وسينتفع بأريجها الكثيرون:
1 - ما أعظم قوة الصلاة، فكأنها ملكة لها دائماً حق الدخول على ملك وفي وسعها أن تنال كل ما تطلب.
2 - في بعض الأحيان حينما أجد روحي في قحط عظيم بحيث لا استطيع أن أستخرج منها فكرة صالحة واحدة، أتلو بكل بطء مرة الصلاة الربية أو السلام الملائكي. حسبي بهاتين الصلاتين، أنهما تغذيان نفسي وتكفيانها.
3 - قال أحد العلماء أعطني نقطة ارتكاز وأنا بعتلة أرفع الأرض.
ما لم يستطع أرشميدس بلوغه، ناله القديسون تماماً
إذ أعطاهم الرب القدير نقطة ارتكاز فكانت هو وحده،
أما العتلة فهي الصلاة ، تلهب القلب بنار المحبة.
هكذا رفعوا العالم وهكذا يرفعه القديسون الذين لا يزالون يجاهدون،
وهكذا سيرفعونه إلى دهر الداهرين.
4 - إنما الصلاة في نظري شهوة في القلب.
هي مجرد نظرة إلى السماء،
هي صرخة من العرفان والحب في وسط التجربة كما في وسط السعادة.
وفي النهاية هي شئ سام فائق الطبيعة يشرح النفس ويصل ما بينها وبين الله.
5 - هي إرادة الله أن تتبادل النفوس النعم السماوية بالصلاة،
فإذا عادت إلى وطنها استطاعت أن تحب بعضها بعضاً بحب الامتنان،
بوداد أعظم حتى من وداد أكمل أسرة على الأرض .
+++
(2) عن الرسالة:1 - أن أكون عروسك يا يسوع،
أن أكون كرملية،
أن أكون باتحادي بك والدة النفوس.
كل ذلك من حقه أن يكفيني ولكني أشعر بدعوات أخري تهيب بي.
أشعر بالدعوة التي تتهيب بالمحارب والكاهن والرسول والمعلم الروحي والشهيد.
2 - عن بعد يلوح للمرء أنه من السهل إسداء الخير للنفوس،
وحملها على محبة الله وتكييفها حسب إرادته وأفكاره.
غير انه عن قريب يشعر المرء العكس،
بأن إسداء الخير مستحيل دون معونة الله،
بقدر ما يستحيل إعادة الشمس ليلا إلى النصف الذي تسكنه من الكرة الأرضية.
3 - بودي أن أطوف الأرض، ناشرة أسمك، مثبتة صليبك المجيد في بلاد من لا يؤمنون بك.
على أن رسالة واحدة لا تكفيني.
بودي في آن واحد أن أبشر بالإنجيل في أنحاء العالم جميعها وحتى في أقصى الجزر.
4 - بالصلاة والتضحية نستطيع أن نعاون المرسلين.
5 - يعاملك يسوع معاملة من يميزهم.
يريد أن تبدأ رسالتك من الآن وأن تنقذ نفوساً بالألم.
أما فدى هو نفسه العالم بأن تألم ومات؟
أعلم أنك تتطلع إلى سعادة التضحية بحياتك جله.
لكن استشهاد القلب ليس بأقل ثمراً من بذل الدم.
+++
( 3 ) طريق الطفولة الروحية:
1 - ليس الإ الحب جديراً بأن يكسبنا رضى الله.
وأني لأجيد فهم ذلك إلى حد أن الحب هو الكنز الوحيد الذي أطمع فيه.
يطيب بيسوع أن يريني السبيل الفريد إلى هذا الأتون الإلهي .
هذا السبيل هو استسلام الطفل الصغير الذي يرقد بلا خوف بين زراعي والده .
2 - إنما المصعد الذي يرفعني حتى السماء ذراعاك يا يسوع !
لأجل ذلك لست بحاجة أن أكبر . يلزمني بالضد أن أبقى صغيرة ، أن أزداد صغراً .
3- النفوس البسيطة لا يلزمها وسائل معقدة .
4 - أنا أيضاً بودي أن أجد مصعداً يرفعني حتى يسوع
لأني أصغر من أن أستطيع الصعود على سلم الفضيلة المضني.
5 - الوسيلة الوحيدة للتقدم سريعاً في طريق الحب أن يبقى الإنسان صغيراً.
6 - لا تخشى أن تقولي ليسوع أنك تحبينه ، حتى إذا لم تشعري بذلك.
هذا هو السبيل لاضطراره إلى مساعدتك وإلى حملك، كأنك صغير أضعف من أن يمشى.
7 - ليقرب الإنسان من يسوع يجب أن يكون صغيراً،
آه! ما اقل النفوس التي تتوق أن تكون صغيرة مجهولة.
8 - ما يروق الله في نفسي الصغيرة هو أن يراني أحب صغري وفقري، وثقتي العمياء برحمته.
9- سبيلي كلها ثقة ومحبة.
لا أفهم النفوس التي تخاف مثل هذا الصديق الوديد.
أحيانا وأنا اقرأ بعض أبحاث ترينا الكمال وراء ما لا تحصى من الصعوبات،
أرى فكري المسكين الصغير يتعب سريعاً جداً ،
فأغلق الكتاب العلمي الذي يفلق رأسي ويجفف قلبي فأتناول الكتاب المقدس.
حينئذ كل شئ يبدو لي مضيئاً.
كلمة واحدة تكشف لنفسي أفاقاً لا حد لها.
الكمال يلوح سهلاً.
أرى أنه يكفي الإنسان أن يقر بعدمه وأن يلقي بنفسه مثل طفل في ذراي الله الرحيم.
----
إلي هنا انتهت اقتباساتنا من كتاب (خواطر القديسة تريزا ليسوع الطفل) والصادر عن مطبوعات الآباء الكرمليين عام 1989 في الذكرى المئوية الأولى لارتداء القديسة تريزا الثوب الرهباني.
كلمات الأب ملاك الكرملي الذي تحدث عن خواطر القديسة تريزا فقال:
إن ما تصفه لنا القديسة تريز ليس صورة شعرية من وحي خيالها
بل هي حقيقة عاشتها القديسة من يوم لآخر في كل لحظات حياتها القصيرة،
معتمدة بالطبع على نعمة الحب الذي أحبته لعريسها يسوع.
إن ما كتبته تريز الصغيرة في لحظة حب وهاج،
إنما يعبر عن حقيقة روحانية (الطفولة الروحية).
أن نرضي يسوع،
لا عن طريق الأعمال الباهرة أو البطولات النادرة
بل في كل الأمور البسيطة التي تتخلل حياتنا.
+++
رأيت
نفوسًا كثيره يغريها النور الزائف وتطير وتحلق كالفراشات المسكينة إذ
يلسعها اللهيب وتحرق أجنحتها ثم تعود إلى نور الحب الصادق الرقيق فيهبها
أجنحة جديدة أكثر لمعانًا ورقة ومن هنا تطير إلى المسيح، النار الإلهية
التي تحرق من دون أن تبلع صاحبها.
لتحميل كتاب "القديسة تريزا ليسوع الطفل سيرة نفس"اضغط هنـــــــــــا