اولا: لماذا غضب المسيح؟
إنه من المهم جدًا أن ننتبه إلى الحافز أو الدافع إلى الغضب، لأن كثيرًا من غضبنا نحن مرجعه حب الذات والأنانية لأن شخصًا ما أساء إلينا. ولكن ربنا المبارك لم يغضب قط بسبب إساءة لحقت بشخصه. إنه – تبارك اسمه – في ناسوته الكامل، كان له ملء الشعور والإحساس المرهف عندما وقف أحباؤه وتلاميذه بعيدًا عنه، وعندما كان أعداؤه يطلبون حياته، ويلتمسون له الشر، وعندما كانوا ينصبون له الشراك، ويتكلمون بالكذب ضده اليوم كله. لكنه كان يقول: «أما أنا فَكَأصَمَّ لا أسمع. وكَأبْكَمَ لا يفتحُ فاهُ. وأكون مثل إنسان لا يَسمعُ، وليس في فَمِهِ حُجَّةُ» (مز 38 :13‚14)، وهو «الذي إذ شُتِمَ لم يكن يَشْتِمُ عوضًا، وإذ تألمَّ لم يكن يُهدِّدُ بل كان يُسَلِّم لمن يَقْضي بعدلٍ» (1بط 2 :22)
لقد «ظُلِمَ أما هو فَتَذَلَّلَ ولم يفتح فاهُ. كشاةٍ تُساق إلى الذَّبح، وكنعجةٍ صامتةٍ أمام جازِّيها فلم يفتح فاهُ» (اش 53 :7).
وتأملوا – أيها الأحباء – أمام رئيس الكهنة، وأمام بيلاطس، وأمام هيرودس، انظروا إليه مُكللاً بالشوك، ومضروبًا على الوجه، ومجلودًا ومُحتقرًا، وهو في كل ذلك لا يفقد هيبته وجلاله، ولا يتخلى عن هدوئه وصمته. لقد بقي ساكتًا في كل مشاهد الإهانة.
ونقرأ عن سكوته في الأناجيل سبع مرات (مت 26 :63 ؛ 27 :12‚14 ؛ مر 14 :61 ؛ 15: 5؛ لو 23 :9؛ يو 19 :9).
ولكننا نراه يغضب لأن الهيكل، الذي يقترب فيه الإنسان من الله، انتشر فيه الفساد وخُرِّبَ روحيًا وأدبيًا، وأصبح مجالاً لإشباع طمع وجشع القادة الدينيين واستغلالهم لشعب الله. ونراه يغضب لأن الباعة والتجار والصيارفة يدنسون كرامة بيت الله، وبيت الصلاة أصبح بيت تجارة (اش 56 :7 ؛ يو 2 :16)، ومجالاً للربح القبيح بل ومغارة لصوص (ار 7 :11 ؛ مت 21 :13).
لقد كان لربنا يسوع الغيرة المقدسة على بيت الله «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي» (مز 69 :9 ؛ يو 2 :17). لقد كانت غضبته موجَّهة ضد الإهانة التي لحقت ببيت أبيه. وغيرته جعلته، ليس فقط يُطهِّر بيت الله، بل أن يمضي أيضًا إلى الصليب لكي يموت عليه، إذ قال بعد ذلك مباشرة: «ﭐنْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ ... وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ» (يو 2 :19-21).
ثم نراه يغضب لأن نفرًا من متعصبي اليهود، ذوي العقول الضيقة، يفرضون قواعد عقيمة لحفظ السبت تحول بينه وبين فعل الخير وشفاء شخص مريض متألم يده يابسة «فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ حَزِيناً عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: مُدَّ يَدَكَ. فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى» (مر 3 :1-6). لقد كان غضبه مقدسًا ومقبولاً، والسبب واضح، لقد حزن على غلاظة قلوبهم، وغضب لأنهم في ناموسيتهم لم يكن لديهم الرحمة والشفقة على الفقراء والمتألمين. ومع عجزهم التام لأن يسددوا تلك الحاجة، قاوموا بمرارة ذلك الشخص الوحيد الذي عنده القدرة والمحبة لأن يبارك ولأن يسدد كل احتياج.
إن هذا النوع من الغضب المقدس الغير أناني؛ الغضب الذي هو صورة من صور الغيرة على مجد الله وخير الآخرين، هو الذي يحرضنا عليه الرسول بولس قائلاً: ««اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا» (أف 4 :26). ويا له من درس خطير لنا نحن المؤمنين أن نهتم بمجد الله وكرامة بيته، وبصالح قطيعه، وبخير النفوس الغالية التي مات المسيح من أجلها.
ثانيًا: نوع غضب المسيح؟
إننا نعلم من الرب يسوع المسيح كيف يجب أن يكون الغضب في حياة الرجل القوي المالك روحه (أم 16 :32 ؛ 25 :28)، لأن كثير من غضبنا هو الضعف بعينه لا القوة. هو الصياح والصراخ وحدة الطبع وسوء الخلق وجموح العاطفة التي تعجز عن السيطرة عليها. وكثير من غضبنا قاس لا يلين ولا يرحم، ومُرّ لا أثر فيه للرقة والعذوبة، وحاقد لا يغفر ولا ينسي.
ولكن ماذا عمل الرب يسوع المسيح عندما غضب؟ إنه «لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ» (إش 42 :2‚3). نعم، لقد غضب «سَيًدي» في مناسبات مختلفة، ولكنه – تبارك اسمه – لم يُخطئ قط في غضبه. فيا للكمال!!... ويا للجمال!!
ولقد كان غضب الرب دائمًا مقترنًا بالحزن. إن حزنه على الخطاة كان يمضي جنبًا إلى جنب مع غضبه على خطيتهم. والغضب الذي شعر به إزاء الخطية كان دائمًا مقترنًا بالإشفاق والعطف نحو الخطاة الذين ارتكبوها، ولم يكن في دخيلة نفسه أية كراهية شخصية.
لقد صنع سوطًا من حبالٍ، لكنه لم يضرب به أحدًا، بل طرد به الجميع – بدون استثناء – من الهيكل.
وبالنسبة للغنم والبقر، طردها، ولا خطورة من ذلك.
ودراهم الصيارف كبَّها. وهذه يمكن جمعها بسهولة.
أما بالنسبة للحمام، فإنه قال للباعة: « ﭐرْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا!» ولو فعل أكثر من ذلك لكان ممكن للحمام أن ينزعج ويطير بعيدًا ويستحيل جمعه ثانية ويضيع على أصحابه.
يا للروعة!! ويا للجمال!! ويا للكمال!!
هذا هو الرب يسوع الوديع الحكيم حينما يغضب!
ما أروعك يا سَيِّدي!
ما أروعك في وداعتك وتواضعك!
وما أروعك في غضبك وغيرتك!
وما أروعك في حكمتك واتزانك!
أيها الأحباء... إن الطمع الذي أفسد هيكل الله في أورشليم، قد دخل أيضًا إلى هيكل الله الروحي في المسيحية، بنتائجه المدمرة. وها المُعَلِّمُونَ الكَذَبَةٌ – وما أكثرهم في هذه الأيام « يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ... وهم في الطمع يَتَّجِرُونَ بكم بأقوالٍ مُصنَّعةٍ» (2بط 2 :1-3)، وهم «يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ» (1تي 6 :5).
نعم، إنه يليق بنا أن نغضب، وكلما تمكنت فينا محبة المسيح وصفات النبل والكرامة المسيحية الحقيقية، كثرت حالات غضبنا، وخاصة في هذه الأيام الأخيرة الصعبة. إنما ليكن هذا الغضب على مثال غضب المسيح. فاغضب ما شئت يا عزيزي المؤمن، بشرط أن تكون مثله في غضبك.
فايز فؤاد
لقد «ظُلِمَ أما هو فَتَذَلَّلَ ولم يفتح فاهُ. كشاةٍ تُساق إلى الذَّبح، وكنعجةٍ صامتةٍ أمام جازِّيها فلم يفتح فاهُ» (اش 53 :7).
وتأملوا – أيها الأحباء – أمام رئيس الكهنة، وأمام بيلاطس، وأمام هيرودس، انظروا إليه مُكللاً بالشوك، ومضروبًا على الوجه، ومجلودًا ومُحتقرًا، وهو في كل ذلك لا يفقد هيبته وجلاله، ولا يتخلى عن هدوئه وصمته. لقد بقي ساكتًا في كل مشاهد الإهانة.
ونقرأ عن سكوته في الأناجيل سبع مرات (مت 26 :63 ؛ 27 :12‚14 ؛ مر 14 :61 ؛ 15: 5؛ لو 23 :9؛ يو 19 :9).
ولكننا نراه يغضب لأن الهيكل، الذي يقترب فيه الإنسان من الله، انتشر فيه الفساد وخُرِّبَ روحيًا وأدبيًا، وأصبح مجالاً لإشباع طمع وجشع القادة الدينيين واستغلالهم لشعب الله. ونراه يغضب لأن الباعة والتجار والصيارفة يدنسون كرامة بيت الله، وبيت الصلاة أصبح بيت تجارة (اش 56 :7 ؛ يو 2 :16)، ومجالاً للربح القبيح بل ومغارة لصوص (ار 7 :11 ؛ مت 21 :13).
لقد كان لربنا يسوع الغيرة المقدسة على بيت الله «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي» (مز 69 :9 ؛ يو 2 :17). لقد كانت غضبته موجَّهة ضد الإهانة التي لحقت ببيت أبيه. وغيرته جعلته، ليس فقط يُطهِّر بيت الله، بل أن يمضي أيضًا إلى الصليب لكي يموت عليه، إذ قال بعد ذلك مباشرة: «ﭐنْقُضُوا هَذَا الْهَيْكَلَ وَفِي ثلاَثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ ... وَأَمَّا هُوَ فَكَانَ يَقُولُ عَنْ هَيْكَلِ جَسَدِهِ» (يو 2 :19-21).
ثم نراه يغضب لأن نفرًا من متعصبي اليهود، ذوي العقول الضيقة، يفرضون قواعد عقيمة لحفظ السبت تحول بينه وبين فعل الخير وشفاء شخص مريض متألم يده يابسة «فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ حَزِيناً عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ وَقَالَ لِلرَّجُلِ: مُدَّ يَدَكَ. فَمَدَّهَا. فَعَادَتْ يَدُهُ صَحِيحَةً كَالأُخْرَى» (مر 3 :1-6). لقد كان غضبه مقدسًا ومقبولاً، والسبب واضح، لقد حزن على غلاظة قلوبهم، وغضب لأنهم في ناموسيتهم لم يكن لديهم الرحمة والشفقة على الفقراء والمتألمين. ومع عجزهم التام لأن يسددوا تلك الحاجة، قاوموا بمرارة ذلك الشخص الوحيد الذي عنده القدرة والمحبة لأن يبارك ولأن يسدد كل احتياج.
إن هذا النوع من الغضب المقدس الغير أناني؛ الغضب الذي هو صورة من صور الغيرة على مجد الله وخير الآخرين، هو الذي يحرضنا عليه الرسول بولس قائلاً: ««اِغْضَبُوا وَلاَ تُخْطِئُوا» (أف 4 :26). ويا له من درس خطير لنا نحن المؤمنين أن نهتم بمجد الله وكرامة بيته، وبصالح قطيعه، وبخير النفوس الغالية التي مات المسيح من أجلها.
ثانيًا: نوع غضب المسيح؟
إننا نعلم من الرب يسوع المسيح كيف يجب أن يكون الغضب في حياة الرجل القوي المالك روحه (أم 16 :32 ؛ 25 :28)، لأن كثير من غضبنا هو الضعف بعينه لا القوة. هو الصياح والصراخ وحدة الطبع وسوء الخلق وجموح العاطفة التي تعجز عن السيطرة عليها. وكثير من غضبنا قاس لا يلين ولا يرحم، ومُرّ لا أثر فيه للرقة والعذوبة، وحاقد لا يغفر ولا ينسي.
ولكن ماذا عمل الرب يسوع المسيح عندما غضب؟ إنه «لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ» (إش 42 :2‚3). نعم، لقد غضب «سَيًدي» في مناسبات مختلفة، ولكنه – تبارك اسمه – لم يُخطئ قط في غضبه. فيا للكمال!!... ويا للجمال!!
ولقد كان غضب الرب دائمًا مقترنًا بالحزن. إن حزنه على الخطاة كان يمضي جنبًا إلى جنب مع غضبه على خطيتهم. والغضب الذي شعر به إزاء الخطية كان دائمًا مقترنًا بالإشفاق والعطف نحو الخطاة الذين ارتكبوها، ولم يكن في دخيلة نفسه أية كراهية شخصية.
ففي مرقس 3 :5 نقرأ ««فَنَظَرَ حَوْلَهُ إِلَيْهِمْ بِغَضَبٍ حَزِيناً عَلَى غِلاَظَةِ قُلُوبِهِمْ». لقد نظر إليهم بغضب مقدس، ولكن خلف هذا الغضب كان هناك حزن شديد في قلبه لقساوة قلوبهم التي ظهرت في عدم المبالاة لحاجة الإنسان المسكين ذي اليد اليابسة. ولقد نطق الرب بثمانية ويلات خطيرة على أولئك القادة الدينيين الذين أضلوا شعبه وقادوهم إلى رفضه، وأعلن أن الدينونة تنتظرهم، هم وأتباعهم (مت 23 :13-36)، ثم صرَّح بالحكم النهائي على أورشليم المدينة المحبوبة (مت 23 :37-39). ولكن كم كان قلبه مفعمًا بالحزن المقدس، فقد بكى عليها عند إقباله إليها (لو 19 :41-44). وما زالت هذه هي مشاعره نحو الخطاة الذين يموتون في خطاياهم.
وإن غضب الرب لا يتعارض مع محبته واستعداده الدائم للصفح والغفران. بل إن غضب المسيح هو الوجه الآخر لمحبته. فإن المحبة الصحيحة هي التي تغار للحق ولا تتساهل مع الشر. إنها «لاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ» (1كو 13 :6). ولا يليق أن تكون المحبة على حساب حق الله وكرامة بيته، فإن المحبة في هذه الحالة لا تكون محبة صادقة، بل رياء. بل إن المحبة القوية كالموت هي التي تنتج الغيرة القاسية كالهاوية (نش 8 :6). أفلا نرى في محبة الرب يسوع المسيح لهيب نار متقدة وغيرة لا يمكنها أن تتحمل أية إهانة تلحق مجد أبيه وبيته. وهذا ما حدث عند زيارة اللاب يسوع للهيكل في يوحنا2 فعندما «صَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً وَالصَّيَارِفَ جُلُوساً. فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: ﭐرْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا. لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ. فَتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي» (يو 2 :13-17).
لقد كان غضب الرب موجَّهًا ضد الإهانة التي لحقت ببيت أبيه، ولكنه لم يخطئ في غضبه. والمرء عادة عندما يغضب لا يكون متمالكًا لنفسه، ولربما يندفع إلى قول أو فعل خاطئ. لقد غضب موسى عند ماء مريبة لما رآه في الشعب، ولكنه لم يتصرف حسنًا وأخطأ إذ فرط بشفتيه (عد 20 :9-13 ؛ مز 106 :32‚33). لكن «رَبِّي وإلهي» لم يكن كذلك، فلا ترى منه أبدًا تهورًا أو اندفاعًا. حاشا! لقد لاحظ التلاميذ غيرة الرب، فعندما رأى الشر لم يسكت، لكننا يمكننا أيضًا أن نلاحظ حكمته واتزانه. ولاحظ كيف تعامل «سيَّدي» مع المشكلة:وإن غضب الرب لا يتعارض مع محبته واستعداده الدائم للصفح والغفران. بل إن غضب المسيح هو الوجه الآخر لمحبته. فإن المحبة الصحيحة هي التي تغار للحق ولا تتساهل مع الشر. إنها «لاَ تَفْرَحُ بِالإِثْمِ بَلْ تَفْرَحُ بِالْحَقِّ» (1كو 13 :6). ولا يليق أن تكون المحبة على حساب حق الله وكرامة بيته، فإن المحبة في هذه الحالة لا تكون محبة صادقة، بل رياء. بل إن المحبة القوية كالموت هي التي تنتج الغيرة القاسية كالهاوية (نش 8 :6). أفلا نرى في محبة الرب يسوع المسيح لهيب نار متقدة وغيرة لا يمكنها أن تتحمل أية إهانة تلحق مجد أبيه وبيته. وهذا ما حدث عند زيارة اللاب يسوع للهيكل في يوحنا2 فعندما «صَعِدَ يَسُوعُ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَوَجَدَ فِي الْهَيْكَلِ الَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ بَقَراً وَغَنَماً وَحَمَاماً وَالصَّيَارِفَ جُلُوساً. فَصَنَعَ سَوْطاً مِنْ حِبَالٍ وَطَرَدَ الْجَمِيعَ مِنَ الْهَيْكَلِ اَلْغَنَمَ وَالْبَقَرَ وَكَبَّ دَرَاهِمَ الصَّيَارِفِ وَقَلَّبَ مَوَائِدَهُمْ. وَقَالَ لِبَاعَةِ الْحَمَامِ: ﭐرْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا. لاَ تَجْعَلُوا بَيْتَ أَبِي بَيْتَ تِجَارَةٍ. فَتَذَكَّرَ تلاَمِيذُهُ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ: «غَيْرَةُ بَيْتِكَ أَكَلَتْنِي» (يو 2 :13-17).
لقد صنع سوطًا من حبالٍ، لكنه لم يضرب به أحدًا، بل طرد به الجميع – بدون استثناء – من الهيكل.
وبالنسبة للغنم والبقر، طردها، ولا خطورة من ذلك.
ودراهم الصيارف كبَّها. وهذه يمكن جمعها بسهولة.
أما بالنسبة للحمام، فإنه قال للباعة: « ﭐرْفَعُوا هَذِهِ مِنْ هَهُنَا!» ولو فعل أكثر من ذلك لكان ممكن للحمام أن ينزعج ويطير بعيدًا ويستحيل جمعه ثانية ويضيع على أصحابه.
يا للروعة!! ويا للجمال!! ويا للكمال!!
هذا هو الرب يسوع الوديع الحكيم حينما يغضب!
ما أروعك يا سَيِّدي!
ما أروعك في وداعتك وتواضعك!
وما أروعك في غضبك وغيرتك!
وما أروعك في حكمتك واتزانك!
أيها الأحباء... إن الطمع الذي أفسد هيكل الله في أورشليم، قد دخل أيضًا إلى هيكل الله الروحي في المسيحية، بنتائجه المدمرة. وها المُعَلِّمُونَ الكَذَبَةٌ – وما أكثرهم في هذه الأيام « يَدُسُّونَ بِدَعَ هَلاَكٍ... وهم في الطمع يَتَّجِرُونَ بكم بأقوالٍ مُصنَّعةٍ» (2بط 2 :1-3)، وهم «يَظُنُّونَ أَنَّ التَّقْوَى تِجَارَةٌ» (1تي 6 :5).
نعم، إنه يليق بنا أن نغضب، وكلما تمكنت فينا محبة المسيح وصفات النبل والكرامة المسيحية الحقيقية، كثرت حالات غضبنا، وخاصة في هذه الأيام الأخيرة الصعبة. إنما ليكن هذا الغضب على مثال غضب المسيح. فاغضب ما شئت يا عزيزي المؤمن، بشرط أن تكون مثله في غضبك.
فايز فؤاد