19 يناير 2015

لا تغتر ولا تيأس



كان مختار كثيرا ما يقتقد عاطف ويدعوه لحضور الاجتماع الشباب بالكنيسة ولكنه يرفض. وفي احد الايام كان ذاهبا لقضاء خلوة في دير الانبا بيشوى، فرأى ان يمر عليه في بيته ويدعوه للذهاب معه. طرق باب بيته ففتح عاطف مرحبا. بدأ مختار حديثه معه قائلا:

- انا مسافر بعد غد لدير الانبا بيشوي في خلوة. تحب تأتي معي؟ اشعر ان هذه الزيارة ستكون بركة كبيرة لنا.

لم يستغرق مختارا وقتا كثيرا في اقناعه بالذهاب معه ، اذ ان عاطف كان في معظم الايام عاطلا عن العمل، فهو كلما وجد عملا اما تركه، او طرد من اصحاب العمل. تابع مختار كلامه وهو يهم بمغادرة شقة عاطف قائلا:
- فقط يجب ان تعرف امرا. سيأتي معنا شخص ثالث. 
 - من هو؟
- انه يدعى ايمن.
- اعرفه فهو صديق قديم.
- اذا سأفوت عليك بعد غدة الساعة صباحا. الى اللقاء.
في هذه الزيارة اصطحب مختار معه اثنان ايمن وعاطف، كلاهما كانا مدمنين لمخدر "الحشيش" وربما لاصناف اخرى. التقيا في الدير بالاب يونان المسئول عن احدى مزارع الدير وتقع بجوار مزرعة صغيرة للاسماك. دعاهما الاب لشرب الشاي هناك. وكأن ذلك بترتيب الهي لاجل هذين الاثنان. فطوال زيارات مختار للاديرة وهي زيارات كثيرة لم يدعه احد من الرهبان مثل هذه الدعوة. 
بدأ ايمن بالكلام وكأنه احس بتأنيب الضمير عند رؤيته راهب:
- انا لا اذهب الى الكنيسة.
قال الاب يونان:
- ولم تذهب؟
- "ماذا تقول يا ابانا؟"، ربما كان يتوقع وكذلك مختار انه سيؤنبه. كلمات الأب كانت قليلة جدا، ولكن تشعر معه بجو عجيب من الروحانية، سواءا في تقاطيع وجهه الهادئة المرحة، او في جسمه النحيف او حركاته النشطة الخفيفة وكأنها لريشة تطير، او كلماته القليلة. "ليس على الرهبان ان يبشروا وانما على العلمانيين ان يبصروا". عليهم ان يبصروا الانجيل معاشا في حياة الرهبان. انها احد العبارات التي وردت في كتاب يوحنا السلمي وتنطبق على هذا الموقف بالتحديد. 
ثم حكى ايمن عن ذراعه المكسورة. قال انها بسبب شجاره مع "شكوكو" بائع المخدرات بسبب مساومته على عشرة جنيهات.
لم يعلّق ابونا يونان على هذا وبقى صامتا، ولكن تعابير وجهه واذنيه المنصتتان لكلام ايمن لفتت انتباه مختار. ربما كان مذهولا من سماعه هذه الحكايات، فشتان بين الجو الروحي العميق الذي يحيا فيه الرهبان في الاديرة، وبين ما يجري في العالم من صخب. هل كان صمته مصحوبا بالصلاة لأجلهم؟ وهل اعقب لقائهم به صلاة من اجلهم؟ مؤكد، فقد تحول ايمن وترك الادمان بطريقة عجيبة، وهو الذي كان يشعر انه يسير في طريق نهايته المحتومة والمعروفة مسبقا قريبة.
اما عاطف فلم يعترف بخطاياه لابونا يونان، ولا قدم توبة. 
بعد مرور حوالي عام سمع مختار ان عاطف خلع نوافذ الشقة وباعها، وان ذلك سبقه بيعه للثلاجة والسرير والاشياء الاخرى بالمنزل.. وبعد عام اخر عرف بخبر وفاته من بعض الخدام بالكنيسة، فلقد وجد في احد الايام ملقى كجثة هامدة تحت احد الجسور. ذكرني ما حدث بقول القديس اغسطينوس "لا تغتر احد اللصين هلك، ولا تيأس فاللص الاخر خلص"؟