23 أغسطس 2013

نقشتك على كفي

تلكأ شعب اسرائيل في العودة من بابل ارض السبي الى اورشليم خوفا من الاخطار التي يمكن ان يقابلوها في رحلتهم الى بلادهم لذلك جاء اليهم صوت الرب برقة "اجعل كل جبالي طريقا"(اش49: ). من يدرس جغرافية فلسطين، لا يمكن ابدا ان ينسى سلسلة الجبال التي حصن الرب بها ارض الموعد من الجنوب. قال احدهم في وصف هذه المنطقة "انها سلسلة جبال تمتد ستين ميلا شديدة الانحدار. لا يوجد طريق يجتاز هذه المنطقة و من المستحيل الوصول الى قمة هذه الجبال". لكن الله لا يعد بازالة هذه الجبال بل يجعل منها طريقا.
كلنا لنا جبال في حياتنا . هناك اشخاص كثيرون و امور كثيرة تهدد بتعطيل تقدمنا في الحياة الروحية. هناك الزوجة ذات الطبع و الاسرة كبيرة العدد، تلك المطالب الثقيلة هذه الوظيفة الصعبة، تلك الشوكة (المرض) في الجسد. قد نتوهم انه لو امكن ازالة هذه من الطريق لكانت حياتنا ارق و اقدس و اطهرو لذلك نصلي كثيرا لازالتها. و لا نعلم انها هي الوسائل للحصول على النعم و البركات التي نطلبها منذ وقت طويل في صلواتنا.

محبة الله اقوى من محبة الام:
حينما اراد داود وصف المثل الاعلى للمحبة قال انه "محبة النساء".و في محبة المرأة لا توجد محبة اطهر و اكثر انكارا للذات و صبرا و رفقا من محبة الام. ايه يا قلب المرأة. ان الامومة هي التي تظهرك في ابهج مظاهرك. تأمل الى الام و هي تنحني فوق الطفل ا يضحك، فيرقص قلبها طربا.. تسهر الليالي دون تذمر، يهون عليها ان تضحي بالنوم و الطعام بل بالحياة نفسها من اجل طفلها. هذ هي الامومة. و هذه المحبة لا تقتصر على مرحلة الطفولة بل تتابع الابناء في كل مراحل حياتهم. و مهما مرروا حياتها اوجحدوا محبتها، فانها تلازمهم بصلواتها و دموعها و اطيب امالها. انها تقف بجوار ابنها و لو كان مجرما في قفص الاتهام، و تتعقب اثار ابنتها في بيوت الشر و الفساد..
هذه المحبة محبة الهية. يقينا انها شعاعة من قلب الله. و ان كانت محبة الام مجرد شعاعة. فكم يكون قلب الله نفسه. على ان الامومة قد تمر احيانا بفترات ضعف. قد تنسى الام رضيعها في حالة الجنون، او السكر او الهيام بالشهوات الدنسة. و كم حصل عند حصار السامرة قد تأتي اوقات تسكن فيها الامهات الام الجوع بأكل لحم اطفالهن. اما الله فلا ينسى "هل تنسى المرأة رضيعها فلا ترحم ابن بطنها. حتى هؤلاء ينسين و انا لا انساك" (اش49: 15).

الله يحفظ اولاده:
من عادة بعض الناس ان ينقشوا اسماء محبيهم على اذرعتهم. يقول الرب "على كفي نقشتك. اسوارك امامي دائما"(اش49: 16). هو لم ينقش مجرد اسم صهيون (ترمز للكنيسة) بل صهيون نفسها. نعم يا اولاد الله لقد نقشت صوركم الفوتوغرافية حيث يراكم الله دائما‘ على كفيه و على قلبه. لن تبرحوا ذاكرته لحظة واحدة، او تتواروا عن عينيه.
لا على كف واحد فقط بل على الكفين "على كفيّ". لم ترسم او تصور فيزال الرسم او تمحى الصورة، بل نقشت (حفرت). و كانت ادوات النقش: الحربة، و المسامير. ان الكتابة على الزجاج لا يمكن محوها و لا النقش على العقيق و لا الحفر على الاحجار الكريمة، على ان ازالتها ايسر من ازالة النقش على كفي المسيح.
  
 اقتباس من كتاب "المسيح في سفر اشعياء" للرائع ف. ب. ماير