دانتي ولد ضخم الجسم، قوى العضلات، يلعب مصارعة ويرفع
اثقال، دمه خفيف ويحب المرح والمغامرة. لم يهتم قط في حياته بالكتاب المقدس، لذلك
فهو لم يتلامس مع المحبة الالهية. وكان محبا للمال. وكان له صداقة حميمة مع جون وهو ولد متوسط الطول ونحيف الى حد ما، حلو
الكلام وله علاقة قوية بالكتاب المقدس. كما انه له صداقة حلوة مع صاحب الكتاب، يحادثه
ويحكي له كل ما بداخله.
كثيرا ما ذهبا الصديقان الاسبانيان مع بعضهما من قبل، في
رحلات الكشافة بالغابات، وقضيا اياما جميلة مع بعضهما في حضن الطبيعة بجمالها
الساحر. قراءتهما الكثيرة عن مغامرات الرحالة زرعت فيهما حب المغامرة ولاسيما في
مجاهل افريقيا. كل منهما يريد السفر الى هذه المناطق وكلهما يتطلع لهذه المغامرة
بمنظاره الخاص. دانتي يرى فيها فرصة للفسحة ورؤية بلاد العجائب والمغامرة، فرصة
لرحلات ممتلئة بالفخاخ، حيوانات متوحشة، عبور انهار عميقة، وايضا فرصة للتجارة
وكسب المال. اما جون فيرى فيها فرصة لوفاء الدين نحو المسيح، بتبشير اولئك الذين
لا يعرفون يمينهم من شمالهم، اولئك الفقراء المتوحشين، الذين هم اكثر بؤسا من
كونهم اشرارا، ويصل بهم
توحشهم الى ان يقتلوا بعضهم بعضا كما يأكلون لحوم الغرباء عن بلادهم. انتهى
المطاف ببعضهم الى الاهتداء للمسيحية وقد دخل حب المسيح الى قلوبهم القاسية، عن
طريق بعض المبشرين الاوائل الذين اسسوا هناك مدارس امتلأت بالاطفال الطيبين الذين
لم يأكلوا احدا قط! لذا قرر ان يسافر ليخدم المسيح ليجعل الناس يحبون بعضهم بعضا
ويصبحوا سعداء. "اذا قتلت وقطعت الى قطع. فليكن!سأكون شهيدا"، - هكذا
قال لنفسه يحدوه الشوق والشغف لتحقيق حلمه.
قال دانتي: هل تتصور انني احلم احلام اليقظة يا جون. لقد
رأيت بالامس اسدا هاجمني فاطلقت عليه الرصاص فأرديته قتيلا.. ما رأيك في ان نقوم
برحلة الى اي بلد افريقية لمدة شهر نرجع بعدها سالمين غانمين.
جون: افضل مكان نذهب اليه هو ميناء توجو بغينيا.
استعد كل منهما بطريقته. اشترى دانتي بندقية وعددا كبيرا
من الطلقات، وبعض التحف والملابس المزركشة ليحصل في مقابلها على العاج وسن الفيل.
واشترى جون ادوات انارة وبوصلة.
صلى جون وطلب من الله ان يدبر كل اموره فهو "ضابط
الكل ورئيس كل ملوك الارض". وتشفع ببولس الرسول وطلب ان يكون رفيقه في هذه
المغامرة التي سيركب فيها البحر فهو الكاروز الذي جال في العالم .. ألم تنكسر به
السفينة 3 مرات حتى قال عن نفسه: "قضيت في عمق البحر اياما و ليال".
+++
كان دانتي يقرأ الفصل الاخير في كتاب "اليس
في بلاد العجائب"..
حجز تذكرتان على احدى البواخر له ولصديقه.
اقلعت الباخرة متجهة الى غينيا. كان يقف على ظهر السفينة
ويمرح هو وجون برؤية الدرافيل وهي تقفز قفزاتها الخاصة على سطح المياه.. وفي الليل
ناما في غرفة واحدة. استيقظ على صوت جون وهو ينهض في الصباح الباكر من فراشه،
ولكنه اغمض عيناه فهو لم يتعود على الاستيقاظ المبكر. اما جون فقد صعد الى سطح
السفينة وردد في نفسه: "ما احلى الشفق وما اجمل الغسق. انها لمتعة رؤيتهما
كلاهما من على ظهر السفينة". وقضى ساعات يطالع في الكتاب المقدس. وكانت قصة
يونان موضوعا لتأمله. ألم يسافر يونان الى نينوى بغواصة حية وهى الحوت.
ربت دانتي على كتفي جون: جون، انك ستضيع عمرك في الكتاب؟
جون: لقد وجدت حياتي وابديتي فيه.
وعلى السفينة
تبدأ الامواج بصخب وعواصف عنيفة تجعل السفينة تتأرجح بشدة.. فقد دانتي اعصابه وبدأ
يهذي بكلمات مثل الغدار.. الغرق.. موت..
اما جون فكان يصلي مطمئنا، لأنه وضع في نفسه: انه ما دام
بولس الرسول يصلي من اجل هذه الرحلة فلن تهلك نفسا واحدة.
وفعلا صدق اعتقاد جون فقد هدأت الامواج. لقد نجى الله
السفينة بسبب ايمان وصلوات جون التي اتحدت بصلوات شفيعه.
+ + +
استعد جون للهبوط وطلبا من القبطان السماح لهما بالنزول
قبل المينا بنحو عشرين كيلومتر، حتى تتاح لهما الفرصة للفسحة في الغابات ..
سارا بعض الوقت. واذا بهما امام غابة كثيفة الاشجار لا
يظهر اي اثر فيها لطريق يسلكانه. فأقاما لنفسيهما وعندما ارادا العودة اسرعا الخطى
الى الشاطئ ولكن السفينة قد رحلت.
قال دانتي: ألم يكن من الافضل ان نذهب الى المدينة ثم
نتخذ لنا مرشدا يدخل بنا الاماكن الامنة.
جون: لا تخف. الله قادر على حمايتنا. دعنا نردد قول داود
النبي بثقة "الرب راعيّ فلا يعوزني شيئا".. "الرب يحفظك من كل سوء
الرب يحفظ نفسك".
لكن دانتي اخذ يمزح ويدندن: الرب تركنا.. في الغابة
القانا.. لا ماء فيها ولا امان.
وهنا قاطعه جون : يجب عليك يا دانتي ان تعلم ان "كل
الاشياء تعمل معا للخير" لذلك فلنشكر الله على كل حال.
ولكن بدا ان دانتي لم ينصت له واخذ يدندن مع نفسه..
بعد لحظات صرخ جون صرخة مدوية افزعت دانتي: أأأأأي
لقد اصطدمت عيناه بفرع شجرة. لقد فقدت احدى عيناه، وجرى
الدم غزيرا.. وبعد ان قام دانتي بوضع ضمادة على عين جون المصابة.. مكثا بعض الوقت
للراحة وتناول الغذاء. ثم بدأ بالسير مرة اخرى. وما هي الا لحظات حتى سمعا اصوات
غريبة .. ظنا انها اصوات قرود تتقافز على اغصان الاشجار ولكن بعد ان دققا النظر
وجدا انفسهما امام بشر لا الا يسترون عوراتهم
بقطع من الجلد.
وفي ثوان ارتفعت اصواتهم ودقت الطبول واخذوا يطفرون
ويقفزون ويهاجمونهما.. راح دانتي يطلق الرصاص في كل اتجاه دون تركيز، واذا به يلقى
على الارض وفوقه حائط من كتل بشرية، وراح يبذل جهدا للخلاص منهم حتى احس انه يختنق
فسلم للامر الواقع. اما جون فكان يردد: باسم الصليب. يا ربي يسوع ارحمني.
امام كوخ وقف الجميع في انتظار الزعيم ويدعى اركاديون.
بعد قليل خرج الزعيم وتحدث اليهم واصدر اوامره، بينما جون كان لا يكف عن الصلاة وهو مربوط والى جواره دانتي. كانت الطبول تقرع بطريقة معينة
وهم يشيرون الى عين جون المفقودة. ثم قاموا بحل ربط جون، واخذوه الى الزعيم،
وحينما مثل امامه طلب اليه الزعيم ان يجلس، بينما ظل دانتي مربوطا وهو يتطلع الى
صديقه جون بينما يعامله كل هؤلاء المتوحشون باحترام شديدة. بل ها هو جون جالس
بالقرب من زعيم القبيلة. في البداية ظن دانتي انهم سيحلونه من وثقه بعد فترة،
مثلما فعلوا مع جون، ولكنه ها هو يقضي الليل مربوطا.
في اليوم التالي دقت الطبول دقات صاخبة القت الهلع في
قلب دانتي. واشعل بعضهم النيران، ثم اخذوا دانتي بعنف وهو مقيد ، واقتربوا به من
مكان النيران وحملوه وهموا بالقائه في النار المستعرة. صاح دانتي: لا. اتركوني!
اتركوني! .. ثم زعق بصوت يائسمملوء بالكثي من المرارة والحسرة: يارب انقذني!
ثم دار الفضاء امامه ولم يحس بشئ.. وبعد فترة فتح عيناه
واستفاق فدهش. وزادت دهشته جدا . وظل ينظر حوله وهو لا يصدق. ثم دقق النظر الى
نفسه فاذا به على فراشه وقد اسقط لتوه الكتاب الذي يقرأه . يا لرحمة الله.. احقا
اعطيت لي فرصة اخرى لأكون ولدا طيبا؟
وقام وقدم صلاة شكر عميقة لله، وعزم ان يخبر صديقه جون
الطيب بحلمه، بل ويخبر كل احد. فامسك بالقلم وراح يكتب (مغامرة في بلاد النم نام)
القصة من تأليف حلمي القمص يعقوب ولكني اعدت صياغتها وغيرت الخاتمة