يسوع موثق بالاغلال! هل نستطيع ان نصدق عيوننا؟
الاقتدار يقيد بالاغلال و الخالق تربطه خليقته، رب الخليقة اسير بين صنعة يديه! ما
كان ايسر عليه ان يحطم تلك الاغلال اسرع مما فعل شمشون قديما! لكنه لا يفعل ذلك و
يرتضي ان يسلم نفسه الى ايدى اعدائه، كانسان ليس له قوة مغلوب على امره. ان هذا
الخضوع و التسليم الاختياري لابد وله هدف عظيم.
تأملوهم وهم يسيرون في احساس بالنصر ، و اسير في
ايديهم، و يمضون به اولا الى حنانيا رئيس الكهنة المتقاعد ، حمى قيافا، خاطئ في
المائة من العمر.
و يمثل الرب للمحاكمة امام قاض من اشر الناس و
اتعسهم، تباعد عن حق الله، و يحمل على جبهته سمة اللعنة، و مما لا شك فيه انه لم
يكن هينا على نفس القدوس ان يمثل ليحاكم امام انسان كهذا تجرد تماما من كل شعور
نبيل. و تأملوا هذا الخاطئ الاشيب و هو يتسلط في غطرسة على رب المجد، و رغم انه لم
يكن هو رئيس الكهنة الفعلي، و مع ذلك فنرى يسوع يتحمل في اذعان كل الاهانات التي
تعرض لها.
و بعد ان يسمع حنانيا تفاصيل القضية، يسأل يسوع
عن تلاميذه و عن تعاليمه، و هو يرجو ان يجد في اجوبته ما يمكنه ان ينسب الى
التلاميذ تهمة تكوين اجتماع سياسي خطير، و ان يوجه للسيد تهمة بانه شخص خطير مبتدع
ومجدف. وبهذه الاسئلة كان مصمما على اعتبار يسوع متآمرا و زعيم جماعة سرية بصرف
النظر عن انه علم جهارا و سار في كل مكان في وضح النهار.
و يجيب الرب على اسئلة رئيس الكهنة بخصوص تعليمه،
فهو لا يهمه هنا ان يدافع عن نفسه، و لكنه يرى من واجبه ان يبرر تعاليمه التي هي
في نفس الوقت تعاليم الله. و اراد ايضا ان يعلن لكل الاجيال انه قد حكم و عليه و
صلب لا لشئ سوى اعلانه انه ابن الله، فيقول "انا كلمت العالم علانية"
و يستطرد قائلا "انا علمت كل حين في
المجامع و في الهيكل حيث يجتمع اليهود دائما" ولم يوجد بين اليهود من استطاع
ان يثبت انه ينادي بامور لا تتفق مع ما كتب في العهد القديم، او ان تعاليمه لا
تمجد طبيعة الله القدوس وصفاته. ان معلمي اسرائيل اضطروا ان يقفوا صامتين امام
احاديثه و تعاليمه.
"في الخفاء لم اتكلم بشئ" كلا فلم يكن
في كلامه غموض، وما كان فيه من اسرار يتكشف معظمها على مر الزمن، بينما يبقى بعضها
مغلق عليه الى هذه الساعة، ينتظر ان تفك ختومه، و الرب يعلم ان هذه الامور ستبقى
غامضة و لن يفهمها شعبه، و لكن هذا لم يمنعه ان يتكلم بها. و هذا برهان جديد على
انه كان يعلم كل العلم ان تعاليمه هي من الله، و هى لذلك ستبقى الى اواخر الدهور.
ثم قال الرب في ختام كلامه "لماذا تسألني
انا، اسأل الذين سمعوا ماذا كلمتهم، هوذا هؤلاء يعرفون ماذا قلت انا". و ليس
من دليل يشهد بقوة عن نقاوة تعاليم الرب و على انها تعاليم الهية، من انه يطلب الى
القاضي ان يستدعي امامه كل الذين سمعوه ، اصدقاء كانوا ام اعداء، ثم يسألهم ان كان
لهم ان يقدموا شيئا ضده كاثبات للاتهام. و حتى الى هذا اليوم لا يقدم الرب شهودا
من عنده، و لكنه يطلب الى كل من يسمعون كلمته و يقبلونها ان يقدموا شهادتهم، و
هؤلاء بنفس واحدة يؤكدون و يثبتون ان تعاليم يسوع هى من الله، و انه لم يتكلم شيئا
من نفسه.
و بينما كان الرب يتكلم ، اذا بواحد من عبيد
رئيس الكهنة يقوم و يلطم يسوع على وجهه قائلا "او هكذا تجاوب رئيس
الكهنة؟" فلم يخف على العبد ان سيده افحم من جواب المتهم البسيط. و كانت هذه
اللطمة الوضيعة هي الوسيلة الوحيدة لتخليصه من الورطة المشينة المخزية.
ونحن كثيرا ما نواجه بنفس هذا التصرف ، عندما
يعجز اهل هذا الدهر عن مقاومة الحق الذي نعلنه لهم، و لا يكون امامهم الا ان يصفونا
بالعناد و الكبرياء، و في مثل هذه المواقف ليس علينا الا ان نستخدم كلمات السيد
التى قالها "ان كنت تكلمت رديا فاشهد على الردي ، و ان حسنا فلماذا
تضربني".