اما كاد الرب ينكس رأسه و يسلم الروح حتى تغير
المشهد الرهيب، و لم تعد السماء تخفى معرفتها برجل الاحزان و انما تتلقى صرخة
الوسيط الالهي "قد اكمل" اعظم تأييد، و عوضا عن الضجة التي كانت ترعد
حوله، يقام احتفال عظيم تمجيدا لنصره المبين.
واتبعوني الآن الى داخل الهيكل في اورشليم، و
الساعة الآن الثالثة بعد الظهر، و هذا هو موعد اجتماع اليهود في اروقة الهيكل لاجل
الذبيحة المسائية، و يبدأ الكهنة بممارسة واجباتهم العادية، و في اللحظة التى ينطق
فيها يسوع فوق الجلجثة بهذه الكلمات "يا ابتاه في يديك استودع روحي"، و
من يستطيع ان يصف الدهشة التي اصابت ابناء هرون، و اذا بحجاب الهيكل المصنوع من الأنسجة
السميكة، ينشق الى اثنين من الوسط من فوق الى اسفل، و يظهر كرسي الرحمة و تابوت
العهد و الكروبان.
عندما نكس القدير رأسه حدث كل هذا، ولكن ماذا
تدل عليه هذه العلامة؟
اولا: انها اشارة جديدة الى ان خدمة اللاويين
، على الرغم من انها مرتبة من الله و تتضمن معاني نبوية، لكنها كانت فقط تحوى رموز
الخلاص العتيد، اما الآن بعد ان تم الخلاص، اصبحت تعد بلا جدوى مثلما تنتهى مرحلة
الزهرة بظهور الثمرة.
وثانيا: كانت تصويرا رمزيا عن النتائج
المباركة المترتبة على موت رب المجد، ان قدس الاقداس في الهيكل كان يشير الى عرش
الله في السماء، الذي منعنا من الاقتراب اليه، و الحجاب الذي فصلنا عنه كان هو
جسدنا الوارث للخطية.
وفجأة تعلن العلامة التي ظهرت في الهيكل، فقد
رفع من الطريق ما كان يعوق اقترابنا الى مقدس الله، و سقط الحاجز الذي وقف كسياج
بيننا و بين الله.
اقرأوا قول الرسول "فاذ لنا ايها الاخوة
ثقة بالدخول الى الاقداس بدم يسوع، طريقا كرسه لنا حديثا حيا بالحجاب اي
جسده"(عب10)، و من ثم ترون ان الطريق الى الاقداس مفتوح امامنا عن طريق شق في
الحجاب، و هذا الحجاب هو جسد رئيس الكهنة العظيم، فانشق الحجاب عندما قدم جسده على
الصليب لاجلنا.
ونترك مبنى الهيكل الفخم في اورشليم ، الذي قد
فقد اهميته الآن، لنعود الى الجلجثة حيث تصادفنا معجزة اخرى فنرى "الارض
تتزلزل و الصخور تنشق" و ماذا تعنى هذه؟ انها تشير الى معاني عظيمة و مجيدة،
ان موت الوسيط قد حدد مستقبل العالم القديم انه معد للدمار، و انه سيطرأ عليه
تغيير عظيم "الذي صوته زعزع الارض حينئذ واما الآن فقد وعد قائلا اني مرة
ايضا ازلزل لا الارض فقط بل السماء ايضا، فقوله مرة ايضا يدل على تغيير الاشياء
المتزعزعة كمصنوعة لكي تبقى التي لا تتزعزع"(عب12: 26، 27).
وهكذا يتجلى موت المسيح الكفاري في عظمة و
روعة، مصحوبا وعجائب الهية بدأت في الحال عند الصليب. واول من يلفت انظارنا هو
قائد المئة الروماني، و يقف هناك في صمت و شرود يتأمل في صليب المخلص، لقد كان
شاهد عيان لعملية الصلب، ورأى المسلك الحميد لهذا الشخص العجيب، و سمع الكلمات
التى خرجت من شفتيه الداميتين، و في اللحظة التي فيها اسلم البار روحه شعر بالارض
تهتز من تحته، ورأى ايضا بعينيه التلال تترنح و الصخور تتشقق، و تجمعت المشاعر
التى اثرت في نفسه حتى ذلك الحين في احساس واحد قوي جعله يصرح بما يشعر به في
نفسه، في صرخة عالية واضحة مجد بها الاله الحقيقي فقال "بالحقيقة كان هذا
الانسان بارا. حقا كان هذا الانسان ابن الله!".