اننا الآن داخلون الى مكان مقدس، و هل يوجد
على الارض ما يبعث الرهبة في النفس اكثر من لحظات الموت، التي فيها يتقابل الزمان
الحاضر مع الابدية. و في هذا الصمت الخاشع يبدو لنا و كأننا نستمع الى دقات ساعة
اتية من عالم آخر! فما هى الاحساسات التي لابد ان تتملك علينا و نحن نشاهد ساعة
الاحتضار كهذه التي هى موضوع تأملاتنا الآن، والتي نرى فيها فادينا يحني رأسه و يسلم
الروح! ارفعوا عيونكم ، ما هو فراش الموت الذي اعد لابن الله المحبوب! ليس من يجفف
العرق من على جبهته و لا احد يشجعه بكلمات الحياة. و من مثله غادر العالم وحيدا
تغطيه ظلال قاتمة؟! و لكن لا تخطئوا الظن فيه، فهذه ليست هزيمة و لكنه عمل تضحية،
و هو لا يخضع للموت مثلنا، و لكنه يذعن له بعد ان جرده من سلطانه على حياته.
ما هو الموت؟ انتم تعلمون انه منذ الاف السنين
دخل الى العالم هذا المارد الذي منه ترتعب الافئدة. و ظل يقوم بعمله التخريبي
المروع. و هذا هو مصير جنسنا و قضاؤه المحتوم، و الخليقة في بدايتها عندما خرجت من
بين يدي الخالق القدير لم تكن تعرف هذا الوحش الهائل، و لكنه ظهر على مسرح الحقيقة
نتيجة للسقوط. و منذ ذلك الحين و هو يخضع – كملك الاهوال – كل من في انفه نسمة
حياة لصولجانه الرهيب. و ابوانا الاولان كانا اول من رآه يظهر قوته و جلاله في
محبوبهما هابيل. و منذ تلك اللحظة استمر الموت يلوح بسيفه الرهيب على الارض، و
يلقي كدره في كل كأس، ليحول البهجة الى مرارة، و يحيط كل شركة حبية بتوقع ساعة
الافتراق و الزوال.
ان دفع اجرة الخطية كان على الخطاة وحدهم، اما
قدوس اسرائيل فلا يدخل تحت سلطان الموت، فماذا اذا هذا الذي نراه في الجلجثة؟ انه
بعد ان قال بصوت الانتصار "قد اكمل" يعود يحرك شفتيه، فماذا سنسمع منه؟
هل كلمة وداع اليم؟ ام انه سيقول بصوت متهدج "انني اغيب عن وعيي، و اخور،
انني ذاهب في طريق الارض كلها؟ كلا، اصغوا! انه يصيح بصوت عال و في ادراك و قوة.