"هل انت هو الاتي ام ننتظر اخر؟"
"هل هو الرب من السماء؟ هل هو ملك اسرائيل" ان اسئلة كهذه تتردد في قلوب
كثيرين من البشر. و ان كانت مقاليد الامور في يمينه فلماذا ينتصر الشيطان كثيرا؟ و
ان كان يعلم بكل ما يجري على الارض فلماذا لا يسكت اصوات المجدفين؟ و ان كان يتقلد
سيف العدل الالهي فلماذا لا ينتقم من الذين يتحدونه و يخربون كرمه؟ و ان كان قد
دفع اليه كل سلطان فلماذا لا يظهر مجده بايات و عجائب؟ و ان كان يستطيع بكلمة فمه
ان يحي الاموات و ان يجعل البرية تزهر، فلماذا لم يقم خرائب الامم الوثنية منذ
القديم و يحول قفارها بساتين؟.
كونه المسيح ابن الله تبرهن لنا باعماله، فنراه
يتقدم الى اريحا في اخر زيارة له لاورشليم، و عند وصوله الى جبل الزيتون يطلب الى
اثنين من تلاميذه قائلا "ادخلوا القرية التي امامكما فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا، فَحُّلاَهُمَا وَأْتِيَاني بِهِمَا" و لكن هل سيقتنع اصحابهما بقول التلميذين "الرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِمَا" لكي يتركوهما يحلانهما؟
نعم بكل تأكيد سيقتنعوا! فيسوع عالم تماما ان اباه السماوي لابد و ان يجعل لكلماته القوة و السلطان، فبمجرد ان يتكلم ينفذ الامر، و يرسل الجحش مع الاتان.
ليتنا نستفيق من اليأس الذى استولى علينا، لننظر بعين الايمان الى شخصية الرب كما تظهر امامنا هنا تشع بمجده الذي يسمو عن كل ادراك بشري.
"وضع التلاميذ ثيابهم على الاتان" ويصعد الرب عليها منحدرات جبل اورشليم، ثم عند دخوله من ابواب المدينة المقدسة يركب الجحش ليجول به في طرقات المدينة. لقد اثبت الرب بهذا العمل امورا عظيمة، تتعلق بمجيئه اكثر مما لو جلس على عرش ملوكي، او لو كان قد دخل اورشليم في طريق غرست على جانبيه الاشجار متسربلا رداءا ارجوانيا.
يقول النبي "قُولُوا لابْنَةِ صِهْيَوْنَ: هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِيكِ وَدِيعًا، رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَجَحْشٍ ابْنِ أَتَان" هذه نبوة مفرحة ينبغي ان يبتهج لها جمهور الخطاة، فهى بمثابة نجم رجاء يسطع في سماء العهد القديم. و لقد حيا هذا النجم قديسو العلي قرونا عديدة بدموع الحنين و الشوق الزائد.
لقد مضى ما يزيد عن 400 عام منذ ان نطق النبي بهذه النبوة. و ها قد تحققت كلمات النبي في شخص الرب.
و لكن ترى ماذا كان الرب يريد ان يبرهن الرب بهذا العمل البسيط؟. سوى ان يعلن قائلا"
انا هو الذي سيمتد ملكي من البحر الى البحر ومن النهر الى اقصى الارض". انا هو فابتهجى يا ابنة صهيون و اهتفي يا ابنة اورشليم"
فدخوله كان اعظم من دخول الملوك، الناس يفرشون ثيابهم في الطريق، و اخرون قد مدوا بساطا من الاغصان الخضراء، البعض يتقدمون و البعض يتبعون، و في ايديهم سعف النخل، كما في موكب الظافرين، ولا نهاية لهتافاتهم المدوية "اوصنا لابن داود".
تأملوا في هذه الحفاوة التي احاطوا بها فردا يبدو عاديا مجردا من الالقاب و النياشين.
واستطاع زكريا بنوع خاص ان يصف المشهد عن كثب و
كأنما كان شاهد عيان، لقد طرد هذا المشهد من اذهان الناس و التلاميذ كل بقايا
الغموض الذي كان يحيط بذلك الداخل الى اورشليم، وخاصة بعد المعجزة الفريدة التي
اجراها في بيت عنيا اذ اقام لعازر من الموت. لذلك لا يمكنهم ان يصمتوا او يكفوا عن
هتافات التمجيد "اوصنا لابن داود".
و يدخل الرب المدينة المقدسة، تحيط به الوف
التهاليل مما جعل نبوة زكريا القديمة تكتمل بكل فصولها في هذا الموكب، و بكل هدوء يتقبل الرب هذه الحفاوة، كأمر عادى بينما يوبخ الفريسيين قائلا "اقول لكم انه ان سكت هؤلاء فالحجارة تصرخ". و في هذا تأكيد واضح على
ان الرب يسوع هو الانسان و هو الله، الذي سبق ان تكلم عنه الانبياء قبل ذلك و الذي
وعد به في الكتب المقدسة.